لم يخسر الأميركيون حرباً منذ فترة طويلة إلى درجة نسينا معها ماذا يعني ذلك وما تكلفة الهزيمة. فالحرب الوحيدة التي خرجنا منها منهزمين كانت في فيتنام، وكانت بالفعل حرباً خاسرة بكل المقاييس حيث طردنا من هناك تحت وقع إطلاق النيران وتخلّينا عن حلفائنا ليواجهوا مصيرهم المرعب وتركنا وراءنا إرثاً ثقيلاً من العنف في المنطقة، وأكثر من ذلك، خرجنا بجيش منكسر ومحطم. لكن رغم أجواء الاستياء التي تحيط بالجهود الأميركية في أفغانستان، لا يمكن أبداً الحديث عن هزيمة أميركية أخرى هناك، فمع أن الهجمات القاتلة التي تُشن ضد جنودنا من قبل شركائهم المفترضين في الجيش والشرطة الأفغانيين، وما يمثله ذلك من تهديد لشراكتنا الاستراتيجية، فإنه سرعان ما ستعود الدوريات المشتركة للقيام بعملها، رغم فترة قصيرة من التوقف حتى تمر الاحتجاجات الأفغانية على خلفية الفيلم المسيء للرسول محمد (ص) وتهدأ النفوس. ذلك أن الخطة الأميركية المتمثلة في نقل المسؤوليات الأمنية إلى الأفغان بنهاية 2014 ما زالت مستمرة على قدم وساق ولا تغيير في تفاصيلها. هذه الخطة ستمكن الولايات المتحدة من تحقيق أهداف الأمن القومي الأساسية في المنطقة والمتمثلة في إلحاق الهزيمة بـ"القاعدة" ومنع التنظيمات المرتبطة بها من إقامة قواعد دائمة لها في أفغانستان والمناطق القبلية المحاذية لباكستان، وأخيراً الحفاظ على قواعد أميركية في المنطقة يمكن من خلالها إطلاق الطائرات دون طيار وقيام القوات الخاصة بعمليات عسكرية إن اقتضت الضرورة. لذا تبقى الدعوات المطالبة بانسحاب سريع وكامل من أفغانستان غير مدركة للحقائق الجيوسياسية في المنطقة والتهديدات الماثلة التي كانت وراء التدخل الأميركي في البلاد عقب هجمات الـ11 سبتمبر2001، وهو ما يستدعي استمرار الدعم العسكري الأميركي لعقود قادمة. وباختصار، يبقى الاستقرار في أفغانستان وباكستان أولوية قصوى للأمن القومي الأميركي والمصالح العليا في المنطقة، علماً بأن باكستان تحديداً هي أخطر بلد في العالم على المصالح الأميركية، إذ تعاني سلسلة تمردات داخل أراضيها بما في ذلك تسلل العناصر المتطرفة إلى أجهزتها الأمنية، كما أن هناك تخوفاً كبيراً من مصير ترسانتها النووية التي تعتبر رابع أكبر ترسانة في العالم وأكثرها نمواً. هذا ناهيك عن سجلها في مجال الانتشار النووي. ويبدو أن باكستان ليست مستعدة لوقف تسلل العناصر المسلحة التي تنشط فوق أراضيها إلى داخل أفغانستان. وأمام المشكلة الأساسية التي تمثلها باكستان، اختارت إدارتا بوش وأوباما طريق التعاون مع الحكومة الباكستانية والانخراط في حرب غير معلنة من داخل أراضيها على العناصر المتطرفة بدل الدخول في حرب مفتوحة مع قوة نووية، وإن كان من غير الوارد اقتناع باكستان بالتعاون الكامل مع أميركا لطرد العناصر المتطرفة من أراضيها. والنتيجة أننا مضطرون لتحمل أعباء الحرب في أفغانستان وباكستان لسنوات طويلة، كما أن الجنود الأميركيين سيواصلون خدمتهم في المنطقة لمساندة القوات الأفغانية في مواجهة الأخطار الأمنية من خلال شن الهجمات على المتمردين والإرهابيين. والحقيقة أن هذا الدور هو ما تواصل القوات الأميركية الاضطلاع به في عدد من البلدان حول العالم التي قاتلنا وانتصرنا في حروبها. فالقوات الأميركية ما زالت موجودة في ألمانيا وإيطاليا وكوريا والبوسنة، وستبقى في أفغانستان حماية لمصالحنا المستمرة هناك والمتمثلة في دحر الإرهاب العالمي ومنع الانتشار النووي اللذين يعتبران أشد الأخطار وطأة على الأمن الأميركي في القرن الحالي. وبالإضافة إلى التكلفة الجيوسياسية الباهظة للفشل في أفغانستان، تمثل خسارة الحرب تهديداً للجيش نفسه، فمع انتهائنا من حرب فيتنام كان الجيش الأميركي عبارة عن قوة مختلة من الداخل بسبب تعاطي المخدرات وغياب الانضباط لتغذو قوةً غير قادرة على خدمة الأمة في وقت الحرب، لكن اليوم تعافى الجيش ليصبح الأكثر مراساً على الحرب. فعندما شُكلت القوات النظامية القائمة على التجنيد التطوعي بعد حرب فيتنام، لم يكن أحد يتخيل قدرتها على الاستمرار أحد عشر عاماً في حرب متواصلة، لكن في الوقت الذي تطول فيه حرب أفغانستان علينا جميعاً كأميركيين أن نتحمل مسؤولياتنا لرعاية من قاتل باسمنا في أرض المعركة، فنحن لدينا التزام أخلاقي تجاه أرامل ويتامى الجنود الذين سقطوا في الحرب، وتجاه الجرحى الذين عانوا كثيراً، وفي هذا السياق كان يقول لي صديق شارك في حرب فيتنام وبقي في الجيش ليشارك في عملية عاصفة الصحراء بالعراق: "لقد جربت الهزيمة والنصر، لكن النصر هو الأفضل"، لذا يظل الانتصار في أفغانستان، أو على الأقل عدم الانهزام، أفضل الخيارات المتاحة. ومن الضروري، والقيادة الأميركية ترسم خططها في أفغانستان وتبحث عن طريق للخروج، أن تتذكر ماذا يعني جر ذيول الهزيمة في الحرب، وما تمثله تكلفتها الباهظة بالنسبة للولايات المتحدة. جون آي. ناجل كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"