ليس ثمة مبالغة في القول إن اللواء الشهيد وسام الحسن من حيث القدرات والإمكانات والخبرات والعلاقات والاتصالات والإنجازات والموقع كان أكبر من رئيس فرع في مؤسسة أمنية لبنانية، بل كان أكبر وأهم وأكثر متابعة ونفوذاً وأوسع حركة من كل رؤساء الأجهزة الأمنية اللبنانية، وأبرز حضوراً على مستوى قادة الأجهزة الأمنية العربية وفي وسط الأجهزة الأمنية الدولية. الشهيد كان رجل دولة ومؤسسات، بنى مؤسسة أمنية متماسكة قادرة فاعلة ذات هيبة واحترام منتجة منضبطة محققة إنجازات. مستندة في عملها إلى المهنية التامة والحرفية المبنية على العقل والتكنولوجيا في آن معاً. كان قائداً أمنياً، وعقلاً أمنياً، زرع في نفوس العاملين معه فكرة المؤسسة واستفاد من عقولهم بعد أن نجح في اختيارهم، ثم في توجيههم، وعمل لكل الدولة. وسام الحسن، حمى لبنان من الإرهاب الإسرائيلي، ومن اختراقه لشبكة الاتصالات اللبنانية. فكشف العملية كلها، واعتقل عدداً كبيراً من العملاء، وعطّل عمليات إرهابية كبيرة كانت تستهدف الأمن والاستقرار في لبنان ، واعتقل عملاء يخترقون صفوف المقاومة وحماها، وكشف محاولات استهداف أمنية لسوريا، وأطلع المسؤولين السوريين عليها في حينه، وأوقف عدداً من الإرهابيين المستهدفين من بعض الدول العربية الشقيقة وكشف جرائم داخلية خطيرة، وأسهم ومن خلال رجاله في كشف معطيات ومعلومات عن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، ووضع يده على جرائم أخرى استشهد فيها قادة لبنانيون، ونجا من بعضها قادة آخرون، وكشف مؤخراً أخطر محاولة إرهابية كان يعدّ لها النائب والوزير السابق ميشال سماحة باستقدامه كمية من المتفجرات في سيارته من سوريا لتفجيرها في مناطق لبنانية معينة. بهذا المعنى، حمى وسام الحسن كل لبنان وكل اللبنانيين من كل الجهات. وحمى الدولة وما قاله فيه خصومه بعد استشهاده خير دليل على ذلك. إن وساماً كان مرصداً للأحداث الداخلية والإقليمية خصوصاً بعد تفجّر الأزمة السورية وكان مرصوداً في دوائرها ومراكز قرارها الضيقة، وعملية اغتياله وإسقاطه تتجاوز الحسابات الضيقة لتصّب في دائرة الصراع الإقليمي الدولي الدائر على سوريا ولبنان. إنها عملية مكمّلة لعملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005. تستهدف إلغاء الموقع ورمزه وإسقاط التوازن الأمني وبمعناه السياسي الذي أحدثه في مواجهة أجهزة ومؤسسات أمنية كبيرة تعمل على الساحة اللبنانية وتؤثر في قرارها السياسي. عملية الاغتيال كادت أن تأخذ البلد إلى فتنة سريعة ولا يزال الخطر من ذلك قائماً. هو قائم قبلها. والتحذيرات من خطر الوصول إليه قائمة منذ وقت بعيد. خطر الفتنة المذهبية قائم منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسلسلة من الأحداث التي تلت ذلك. وعلى وقع ما جرى في العراق ويجري في المنطقة وبالتحديد اليوم في سوريا، وما نسمعه ونشهده في لبنان من خطاب متوتر وتحريض مذهبي وتهديد ووعيد وحقن وشحن للنفوس وانفلات في المواقف والتصرفات هنا وهناك، وأفعال وردات أفعال في كل الاتجاهات. واليوم ارتفع مستوى هذا الخطر مع اغتيال اللواء الشهيد، نظراً لدوره وموقعه ورمزيته. إن لبنان مجدداً في دائرة الخطر الكبير، لقد نجا من الكارثة الآن، لكن نتائجها لا بد أن تظهر تباعاً... ونحن في أزمة سياسية وطنية كبيرة. يخطئ من يتصّرف على أساس أن وسام الحسن ذهب، وأن الحكومة بقيت، ويعتبر أنه ربح. ويخطئ من يتصّرف على أساس أنه لم يعد لدينا شيء نخسره بعد خسارة وسام باني أهم مؤسسات الدولة، فليكن الردّ القوي والقاسي حتى لو استهدفت مؤسسات الدولة، أو أسيء إلى البلاد واستقرارها وأمنها ولو عن غير قصد! ويخطئ من يتصّرف على أساس أنه لا يتزحزح عن التزاماته وخياراته، ولو أدى ذلك إلى فتنة مذهبية في لبنان. ويخطئ من يتصرف على أساس أن "القطوع" قد مرّ ويمكن للبلاد أن تستمر على ما هي عليه، لا إن الموضوع أكبر من ذلك بكثير، إنه استقرار أو لا استقرار، وبالتالي دمار وانهيار لبنان مجدداً. إنه أكبر من حكومة تبقى وحكومة أخرى تأتي، حتى ولو شكل ذلك مخرجاً آنياً ونفّس الاحتقان، وقد يكون ضرورياً وينبغي الوصول إلى اتفاق حوله. ثمة أحداث كثيرة وكبيرة تنتظرنا وعملية الاغتيال هي بداية مسلسل جديد. ينبغي التعامل معها على هذا الأساس، وتنفيس الاحتقان الداخلي والاتفاق على الحد الأدنى الممكن بداية بيننا كلبنانيين، ونحن مقبلون على استحقاقات داخلية مهمة وتحيط بنا استحقاقات وتهديدات وأخطار كبيرة. قال لي أحدهم: "إن ذلك لن يحصل، لن تكون تسوية في لبنان قبل وضوح الصورة في سوريا وحصول التسوية فيها وحولها". قلت: هذا ليس جديداً. أعرف تماماً أن الترابط قائم بين الأزمتين السورية واللبنانية، من لبنان إلى سوريا والعراق وتركيا وإيران والخليج وروسيا والصين وأميركا وأوروبا ومجلس الأمن وكل الملفات العالقة على الطرقات والساحات المؤدية إلى هذه الدول والمنظمات. لكن هل يعني كلامك أن ثمة ربطاً بين التفجيرين. أي التفجير المستمر في سوريا، والتفجير الذي يجب أن يلازمه في لبنان؟ أليس ثمة خيار آخر؟ سكت وقال معك حق. فقلت: "لقد أضعنا الكثير من الفرص. ونكاد نطيح أمن واستقرار البلد. وها هو "المجتمع الدولي" بكل قواه يستنفر بعد جريمة اغتيال الشهيد وسام ليؤكد الحرص على الاستقرار أولاً، سواء بقيت حكومة، أو جاءت أخرى ولا مانع من ذلك. الأولوية هي للاستقرار... فهل يمكن التقاط الفرصة مجدداً؟ وسام الحسن نال أوسمة كثيرة في حياته وبعد استشهاده، وهو الذي عمل من أجل استقرار البلد. اليوم يمنح هو باستشهاده وسام الاستقرار لمن يتلقف الفرصة مجدداً فيحمي لبنان بعيداً عن الحقد والأنانية والمكابرة والاستعلاء والاستقواء والاستكبار.