مرت الهند ولا تزال بتجربة حرجة، وهي تحاول موازنة علاقاتها مع طهران، في وقت تزيد فيه الدول الغربية عقوباتها المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي. فبمجرد قيام الاتحاد الأوروبي بتشديد العقوبات على قطاعي النفط والغاز الإيرانيين، قررت طهران إرسال نائب وزير خارجيتها سيد عباس لزيارة الهند. وعلى رغم أن الهند ظلت تقول إن لديها علاقات تجارية تاريخية مع إيران، ولا يمكنها تخفيض تلك العلاقات وفقاً للمطالب الغربية، فالحقيقة هي أن العقوبات قد ضربت العلاقات التجارية بين البلدين، حيث اضطرت الهند مرغمة لتقليص وارداتها النفطية من إيران بسبب العقوبات المشددة التي تم تطبيقها بالفعل، والتي تستهدف المصالح النفطية لتلك الدولة. فوفقاً لتقارير موثقة لا توفر إيران في الوقت الراهن سوى 10 في المئة من واردات إيران النفطية، هبوطاً من 16 في المئة عام 2008. وتحاول الدولتان منذ شهور التوصل لآلية لحل مشكلة دفع قيمة النفط الذي تستورده الهند من إيران بالعملة الهندية. في وقت مبكر من هذا العام، قررت الدولتان أن يتم دفع جزء من قيمة النفط الإيراني المصدر للهند بالروبية، في إطار نظام تستخدم فيه إيران تلك العملة في استيراد احتياجاتها من بضائع من الهند. وتبلغ قيمة الصادرات الإيرانية للهند وعلى رأسها النفط 13.5 مليار دولار في الوقت الراهن. ويبذل الإيرانيون منذ فترة من الوقت قصارى جهدهم، من أجل زيادة مقدار التجارة في مواد الاحتياجات اليومية غير المعرضة لطائلة العقوبات حالياً مثل الأدوية والمواد الطبية والقمح... وما إلى ذلك. وخلال زيارته للهند، حث نائب وزير الخارجية الإيراني الهند على اتخاذ قرار للانضمام لمشروع أنابيب غاز ثلاثي إيراني- باكستاني – هندي، مؤكداً أنه مشروع سيفيد المنطقة بكاملها. وعلى الرغم من أن إيران تريد من الهند الانضمام للمشروع، فإن نيودلهي تبدي قدراً كبيراً من التمنع في هذه المرحلة. يرجع هذا لأسباب: السبب الأول هو : أن ما يأتي في صلب اهتمام الهند بذلك المشروع النقطة الخاصة بالجدوى الاقتصادية لشراء ونقل الغاز من إيران عبر باكستان إلى أراضيها خصوصاً وأن تكاليف المشروع التي يجرى تداولها في الوقت الراهن تفوق قدرة الهند. السبب الثاني: من الموضوعات التي تقلق الهند بشأن هذا المشروع أيضاً موضوعي الأمن، وضمان استمرارية تصدير الغاز. ويرجع سبب القلق أن خط الأنابيب يمر ببعض المناطق الأكثر اضطراباً وتقلباً في باكستان. مع ذلك، قررت إيران وباكستان المضي قدماً في المشروع بصرف النظر عن التردد الهندي حياله. فالدولتان لم تتفقا، فحسب، على مد خط الأنابيب بينهما، بل قامتا أيضاً بإنهاء تفاصيل اتفاق الشراء مع باكستان التي تشير الأنباء أنها تخطط لاستيراد 2.2 مليار قدم مكعبة من الغاز من إيران كل يوم عبر خط الأنابيب. والعمل في هذا الخط يكاد يكون قد انتهى في الجزء الذي يمتد داخل أراضي إيران التي تعمل في الوقت الراهن على مساعدة باكستان على إنهاء الجزء الذي يمر عبر أراضيها. وعلى الرغم من أن علاقات الهند مع إيران تمر في الوقت الراهن بمرحلة من المراجعة والتدقيق، فإن الهند قد بذلت جهداً ملحوظاً في إبقاء قناة اتصال مفتوحة بين البلدين من خلال التبادل المستمر للزيارات، التي كان من أهمها زيارة رئيس الوزراء الهندي "مان موهان سنج" للعاصمة الإيرانية لحضور قمة دول عدم الانحياز. ومن المعروف أن تلك الحركة التي نشأت في سياق الحرب الباردة، والتي كانت الهند من دولها المؤسسة تحظى باهتمام قطاعات مهمة داخل الهند تطالب -على الرغم مما يوجه إليها من انتقادات باعتبارها حركة قد تجاوزها الزمن- بإحيائها كاستراتيجية كما يرون فيها منصة مهمة لضمان مصالح الدول النامية. وخلال زيارته لطهران التقى "سنج" بالمرشد الأعلى، والتقى أيضاً الرئيس الإيراني ونصحهما، حسب التقارير -بمعالجة موضوع النزاع مع الغرب بحكمة، وعدم اللجوء لتبني موقف صدامي لأن ذلك لن يجلب شيئاً سوى الخراب، علاوة على أن المنطقة بأسرها ستتأثر به تأثيراً سلبياً. في بعض المجالات استمرت الهند في التعامل بشكل وثيق مع إيران على رغم العقوبات الغربية المفروضة على إيران، وعلى الرغم من الانتقادات التي يوجهها الغرب للهند على موقفها من تلك الدولة. في إطار ذلك التعامل الوثيق تساعد إيران الهند في الوقت الراهن في مشروع بناء ميناء "شاه بحر" الذي سيمنح الهند طريقاً بديلاً لأفغانستان وطريق وصول لآسيا الوسطى من دون حاجة للمرور بباكستان. والهند التي تتطلع في الوقت الراهن لضخ استثمارات في هذا المشروع، حريصة أيضاً على ضم أفغانستان إليه، لأنه بمجرد الانتهاء من المشروع، فإن أفغانستان ستكون هي أكثر المستفيدين منه. من هنا ينظر إلى ميناء "شاه بحر" على أنه مشروع ذو أهمية استراتيجية كبرى ليس للهند فحسب، وإنما أيضاً للدول الأخرى في المنطقة، لأنه يوفر بديلًا عن ميناء كراتشي الباكستاني، كما أنه يمكن أن يصبح عاملاً لتغيير قواعد اللعب لكل من يريد الوصول إلى أفغانستان عبر طريق بديل. في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة والغرب جهودهما لعزل إيران بسبب برنامجها النووي من المتوقع للهند أن تواصل إجراءاتها التي تحاول من خلالها موازنة علاقاتها مع إيران مع علاقاتها مع الدول الأخرى، وذلك من خلال نصح طهران بالالتزام بالتعهدات الدولية المتعلقة بالموضوع النووي، مع قيامها هي في الوقت نفسه بالاستمرار في علاقاتها التجارية مع تلك الدولة وإنْ في حدها الأدنى.