أعتقد أن أوباما سيعلن أن اعترافه المتأخر بتورط عناصر "جهادية" في الهجوم الذي استهدف القنصلية الأميركية في بنغازي إنما يُعزى إلى خلل تنظيمي داخل إدارته وانعدام كفاءة البعض، لكن بالعودة إلى الحادث نكتشف السرعة التي أكدت فيها وكالة "أسوشييتد بريس"، نقلاً عن مصادر استخباراتية، أن ما جرى لم يكن احتجاجاً عفوياً، بل وكما تقول الوكالة إنه في غضون 24 ساعة على الهجوم "أبلغ رئيس محطة "سي. أي. إيه" في ليبيا مسؤوليه في أميركا أن هناك شهود عيان يؤكدون تنفيذ مسلحين للهجوم على القنصلية الأميركية". غير أن تقرير الوكالة يضيف أنه "من غير الواضح من الذي اطلع على برقية "سي آي. إيه" خارج الوكالة، لا سيما وأن الإدارة ظلت متمسكة لأسبوع كامل برواية الاحتجاجات العفوية التي أدت إلى مقتل السفير الأميركي "كريس ستيفنز" وثلاثة من رفاقه بالتزامن مع الذكرى الحادية عشرة لهجمات 11 سبتمبر 2001"، هذا الأمر خلق سلسلة من التناقضات كما أثار العديد من الأسئلة حول طريقة تعامل الرئيس مع القضية. وفي ظل تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" بأن المتهم الرئيس في الهجوم يتجول طليقاً في ليبيا غير خائف من احتمال ملاحقته فإن المسألة كلها قد تجر الرئيس أوباما إلى نقاشات ربما لن يحبذها عشية المناظرة الأخيرة التي يستعد لخوضها. وفي هذا السياق تبرز ثلاثة تفسيرات لتردد الرئيس، الأولى يمكن إرجاعها لما يسمى بالإنكار الأيديولوجي، فقد كان واضحاً لأي ملاحظ حصيف أن الهجوم الذي استهدف القنصلية الأميركية على يد عناصر مسلحة كان هجوماً إرهابياً بامتياز، وإن كان المتحدث باسم البيت الأبيض "جاي كارني" لم يصل إلى هذه الخلاصة إلا في وقت متأخر جداً، وربما السبب أن إدارة مثل هذه أضفت على قضايا الأمن القومي بعداً سياسياً لتوظيفه في الحملة الانتخابية وجدت نفسها مضطرة لإخفاء الحقيقة والحفاظ على صورة الإدارة التي حاربت "القاعدة" وقتلت قائدها، أو تلك التي قادت من الخلف في ليبيا. وحتى عندما ظهرت سوازن رايس على شاشة التلفزيون في أحد البرامج وأكدت أن الهجوم جاء بسبب المظاهرات التي اجتاحت العالم الإسلامي على خلفية الفيلم المسيء للرسول محمد، فإن الأخبار التي استمرت في التدفق على الاستخبارات كانت كلها تذهب إلى أن الهجوم فعل إرهابي محض، فهل يمكن اعتبار مثلاً أن الرئيس لم يكن مطلعاً على تلك التقارير لأسبوعين كاملين؟ الحقيقة أن بعض المسؤولين في الإدارة الذين اطلعوا على تقارير الاستخبارات فوجئوا بتأكيدات "رايس" بأن المظاهرات كانت عفوية، وهو ما أشار إليه أحد المسؤولين المطلعين على المعلومات قائلًا "في تلك الفترة وعندما كانت "رايس" تعلن روايتها لم يصلني تقرير واحد يثبت كلامها، أو يشير إلى احتجاجات عفوية مسؤولة عن الحادث"؛ أما التفسير الثاني لتناقض إدارة أوباما فيرجع ربما إلى انخراط الإدارة في خداع نفسها، وهنا نعود لكي نثبت ذلك إلى تصريحات أوباما نفسه، فقد سعى هذا الأخير إلى تبرير حسن نيته عندما اتضح الأمر بالقول إنه أقر منذ 12 سبتمبر بأن الحادث كان "عملاً إرهابياً"، لكن كيف له بعدما أدرك منذ البداية بصمات الإرهابيين أن يواصل إصراره في 20 و25 سبتمبر ربطه بين الهجوم والفيديو المسيء، علماً أن الرئيس يعرف جيداً أن الإرهابيين ليسوا في حاجة إلى ذريعة، أو تبرير لقتل الأميركيين ورفع راية "القاعدة" في ساحة المعركة، هذه الرواية المستندة إلى رغبة مقصودة لخداع النفس تؤكدها أيضاً تصريحات وزارة الخارجية من أنه لا أحد خلص إلى أن الهجوم كان بسبب احتجاجات عفوية على فيديو مسيء. وأخيراً يمكن تفسير تناقض أوباما بانعدام الكفاءة داخل إدارته، بحيث يبدو وفقاً لهذا التفسير أن ما يعيق الإدارة الأميركية هو وجود رئيس غير منخرط بشكل كلي في القضايا الأساسية، بالإضافة إلى مستشارين يفتقدون للكفاءة والتنسيق اللازم بينهم. والحقيقة أن الدلائل لا تعدم في هذا المجال التي تشير كلها إلى تأثير انعدام الكفاءة على السياسة الخارجية للإدارة، هذا الغياب الواضح للكفاءة داخل إدارة أوباما في التعامل مع القضايا الخارجية توضحه، "روزا بروكس"، المستشارة السابقة لأوباما قائلة "رغم أنه كان يملك رؤية ثاقبة كمرشح، إلا أنه كرئيس قاد أوباما فريقاً يفتقد للرؤية الواضحة في مجال الأمن القومي ويعرف اختلالات، هذا الفريق يبدو أنه ينتقل من أزمة إلى أخرى دون القدرة على النظر أبعد من الأسبوع التالي. فموظفو الأمن القومي في شجار دائم وخلاف مستمر، ورغم براعة الموظفين في إطلاق تصريحات موفقة، إلا أن الآليات المناسبة لتنفيذ السياسات تبقى ضعيفة"، هذه الملاحظات تعكس إلى حد بعيد انتقادات المحافظين للإدارة التي تقول إنها تفتقر لاستراتيجية واضحة، أو لمديرين جيدين ينفذونها، وهنا تواصل "بروكس" قائلة "تعهد أوباما بضمان الشفافية والكفاءة داخل الحكومة. لكن ما يسيطر في أغلب الأحيان هي الزبونية، بحيث توكل مهمات كبرى إلى مساعدين شباب عديمي الخبرة فيما يتم تهميش ذوي التجربة الطويلة". لكن مهما تكن الرواية الصحيحة، أو المسؤول الذي سيحمله أوباما الخطأ سواء كانت الاستخبارات، أو مستشار الأمن القومي، "توم دونيلون"، يبقى أن الرئيس حتى لو يكن يقصد تضليل الرأي العام وتقديم معلومات خاطئة، اعتمد منطقاً مغلوطاً، فهو منذ البداية استنكف عن وصف "الجهاديين" باسمهم كما سعى إلى التواصل مع الملالي. -------- جينفر روبين محللة سياسية أميركية -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"