القلق وغموض المستقبل هما المسيطران على الموقف في المشهد السياسي للدول التي اصطلح على تسميتها بدول "الربيع العربي". ومصدر ذلك القلق "الإخوان المسلمون" الذين استطاعوا اختطاف الثورات من الشعوب دون أن يحصل أي تغيير إيجابي للإنسان العربي، مع استمرار المعاناة الاقتصادية والاجتماعية، رغم أن الحراك كان أساساً منصباً على البعدين الاقتصادي والاجتماعي ولم يكن فيه أي بعد سياسي. كنا في بداية هذا الأسبوع في منتدى "الاتحاد" السنوي السابع الذي جمع كتاب صفحات "وجهات نظر" في الصحيفة لمناقشة المشهد العربي ومسارات تحوله. ومنذ البداية لامست -فيما طرح من النخبة المثقفة العربية- حالة القلق والخوف على المستقبل، ذلك لأن دول "الربيع العربي" تعيش حالة سيولة سياسية أصبحت تفتقد فيها دور الدولة وهيبتها في أحيان كثيرة، بل إن هناك تهديداً في مواقع أخرى لوحدة الدولة، كما هو الحال في سوريا وقبل فترة في ليبيا عندما هددت جماعة إقليمية بالانفصال عن الدولة الأم. "الإخوان المسلمون" ساهموا بسلوكياتهم وطموحاتهم السياسية اللامحدودة في إحداث "مسارات" متفرقة في المجتمع العربي بدلاً من مسار واحد كما كان الشأن في الثورات أو الحراك الاجتماعي. تلك السلوكيات أوصلت الدول العربية إلى فوضى سياسية طالت الاستقرار المجتمعي الذي هو أساس الكرامة والعدالة الاجتماعية وحتى الحرية. وسلوك "الجماعة" في مصر تحديداً، هو الذي أشعر المراقبين والرأي العالم العربي بالقلق والخوف لاعتبارين اثنين: الأول، لأنها المؤشر الذي يمكن أن تقيس عليه ما يمكن أن تسير عليه باقي الدول العربية نظراً للثقل السياسي والبشري لمصر إقليمياً. والاعتبار الثاني أن مصر هي دولة مقر "الجماعة"، حيث المرشد فيها، وبالتالي يتلقون التوجيهات منها؛ كما أن "الإخوان" في مصر لديهم تجربتهم في تهديد استقرار المجتمعات. وعملياً لم يقف الأمر عند حدود "أخونة" الدولة المصرية، بل لجأوا إلى محاولة إثارة الفوضى في دول عربية أخرى مستقرة أصلاً، مما أشاع حالة من الاستياء المجتمعي، بل وصل بهم الأمر إلى التطاول على النظم السياسية في الدول العربية وتهديدها، كما فعل القرضاوي وغزلان مع دولة الإمارات، ومؤخراً كمال الهلباوي في محاولة لبث مزاعم تشكك في علاقة المواطن الخليجي بحكامه. المشكلة أن بعض المثقفين العرب، وحتى في المنتدى، وإن كان بشيء بسيط، يبررون موقف "الإخوان" من باب إعطاء الفرصة وكأنهم يتعاملون حقيقة مع أفراد يؤمنون بالديموقراطية وبالمشاركة السياسية التي أوصلتهم إلى سدة الحكم. التغيير بعد عامين بدا وكأنه من أجل التغيير فقط، خاصة بعد أن اتضحت نيات "الإخوان" في الانقضاض على السلطة، حتى بات العالم العربي يبدو أن تماسكه تشتت وانفرط مجتمعياً وبات "الإخوان المسلمون" هم اللاعبون الأساسيون في بعض دوله. وإذا نظرنا إلى المشهد العربي بكل "تفاصيله"، فسنجد أن "الإخوان المسلمين" يتحملون القسط الأكبر مما يحصل فيه فهم لم يكتفوا فقط باختطاف الثورة بل إنهم بسلوكهم أيضاً ساهموا في تراجع دعم الرأي العام العالمي والعربي للحراك الاجتماعي في سوريا على اعتبار أن الثورات العربية التي سبقت الحالة السورية وجدت الدعم الدولي والإقليمي، لكن إفرازات تلك الثورات أدت إلى تراجع الدعم وبات الجميع متردداً من إسقاط نظام الأسد خوفاً من اختطافها أيضاً، وبالتالي فإن إخفاق الثورة السورية التي سجلت أكبر عدد من الضحايا ومن الوقت أيضاً، هم من يتحمل مسؤوليته. نحتاج -خاصة من أولئك الذين أيدوا "الربيع العربي"- إلى الاعتراف صراحة بأن "الإخوان المسلمين" جعلوا من تحولات "الربيع العربي" آلاماً مبرحة وجراحاً غائرة لا تندمل ولا تلتئم قريباً، وأنهم منعوا "زهور" الربيع العربي من أن تتفتح قريباً برائحة زكية -بدلاً من الدماء- كما يحلم المواطن العربي. ورغم أننا رأينا بعض السجالات الشكلية وممارسات سياسية واجتماعية أوهمتنا كما أوهمت المراقبين الغربيين بأن القادم أفضل، لكن مع مرور الأيام فإن "القادمين الجدد" إلى السلطة أثبتوا أنهم يتعاملون مع المجتمع العربي بمنطق "السجين مع سجانه" عندما يريد أن يسيطر على كل شيء كان محروماً منه. ولم يعد أحد يضرب الأمثال على ما يحدث في دول "الربيع العربي" بالثورة الفرنسية وغيرها من الثورات الحضارية في أوروبا وأميركا وآسيا، وإنما الكل بات يستشعر الخطر. مظاهر "الإخوان" في المجتمع هي مؤشرات على أن القادم لا يقترب حتى كما قال الدكتور عبدالحميد الأنصاري بأنه "متشائل"، أي أنه ما بين التفاؤل والتشاؤم؛ بل أغلب المراقبين يتمنى أن يخيب "الإخوان" ظنهم بأنهم سيتركون السلطة بعد انتهاء الفترة الرئاسية. المهم أن الإنسان العربي أدرك أنه لم يوفق في "ربيعه" القاسي أو أنه لم يحصل على ما كان يتمناه من مبادئ وأن اختياره للتيارات الإسلامية في تمثليه أو إيصالهم إلى السلطة لم يكن اختياراً في محله وأدرك أيضاً أن حالة الوهن في بلاده سببها سلوكيات "الإخوان" السياسية، فهي خطر على تماسك المجتمع ولو عادت الانتخابات مرة ثانية فلن يختارهم بعد أن اتضحت نواياهم. حين تقرأ كتب "الإخوان المسلمين" بصورة نقدية من نشأة الجماعة في عام 1928 وتتبع ما كتب عنها من خلال تجارب من خرجوا عنها، تخرج بنتيجة تؤكد رغبتهم في الانقضاض على الحكم في الدول العربية والإسلامية، وأن الأسلوب الناعم والهادئ هو أحد الأدوات التي يستخدمونها كي يتمكنوا وبالتالي يجب أن لا توجد مفاجئة فيما يحصل على الأرض. لا أحد يعرف كيف ستنتهي الفوضى السياسية، حتى الذين كانوا "مع" الربيع العربي، لكن الكل متيقن من أن الانتقال بالمواطن العربي إلى وضع أفضل معيشياً لم يعد قائماً على الأقل في المدى المنظور.