أريد أن أحكي لكم عن قصة رئيس. هذا الرئيس جاء إلى الحكم أثناء أزمة مالية كبيرة؛ كان الاقتصاد يفقد وقتها 800 ألف وظيفة شهرياً. وخلال فترة الأربع سنوات إلا قليلاً التي قضاها في الحكم حتى الآن نجح في تغيير الوضع إلى النقيض من خلال توفير خمسة ملايين وظيفة جديدة، وإنقاذ وظائف عدد كبير من المدرسين، ومساعدة صناعة السيارات على استيراد عافيتها وتعيين 460 ألف عامل جديد، وهو ما حدث أيضاً للقطاع العقاري الذي نجح في اجتياز أكبر حالة انكماش يتعرض لها وعودة أسعاره للارتفاع مجدداً، ونجاح الحكومة في مساعدة الملايين فيه على تلافي الحجز على ممتلكاتهم. والآن أريد أن أحكي لكم عن قصة رئيس آخر. هذا الرئيس جاء إلى البيت الأبيض في وقت كانت البلاد تعاني فيه من أزمة كبرى، ولكنه بالكاد جعل الأشياء أفضل، ولم ينجح سوى في توفير 325 ألف وظيفة خلال ولايته، وتم الاستغناء خلال تلك الفترة عن 100 ألف مدرس كما فقدت صناعة السيارات 635 ألف وظيفة، وهبطت أسعار المنازل بشدة لأدنى مستوى خلال تسع سنوات، كما تعرض ملاك ما يقرب من 3 ملايين عقار للحجز على ممتلكاتهم. لعلك الآن عزيزي القارئ قد أدركت كنه هذه المقارنة. الرجلان ببساطة هما نفس الرجل. وعلى الرغم من أن الوصفين السابقين مبنيان على حقائق، فإن أياً منهما ليس حقيقياً في الواقع. لقد أظهرت الحملتان الانتخابيتان هذا العام كيف يمكن إساءة استخدام الأرقام، واستغلالها وإساءة تأويلها. فحملتا باراك أوباما وميت رومني استخدمتا الأرقام كأسلحة مغلفة بحقائق غير قابلة للنقض. ولكن استخدام الأرقام في الواقع يتجاوز المخططات السياسية، لأن الأرقام -وخصوصاً تلك المتعلقة بالإحصائيات الاقتصادية- غالباً ما لا تكون دقيقة على النحو الذي قد تبدو عليه للوهلة الأولى ،وخصوصاً عندما يتم الإبلاغ عنها في الزمن الحقيقي أي في نفس وقت حدوثها. وليس من المستغرب والحال هذه أن تحتل الأرقام مكانة مركزية في الحملة السياسية لانتخابات هذا العام لأن التحديات الرئيسية التي تواجهها أميركا اقتصادية في جوهرها. فالأرقام تتيح لكل مرشح وسيلة لتقديم الدليل على إنجازاته ،أو تقديم خطط ملموسة للمستقبل. علاوة على أن الأرقام تنقل الحقائق، وليس الدعاية. والأرقام حينما يتم استخدامها على النحو الصحيح عادة ما يكون لها فوائد جمة، حتى لو كان وراءها دوافع سياسية حيث تضيف عنصراً قابلاً للقياس إلى ما يقوله السياسيون نظرياً. وأكثر الأرقام التي أسيء استغلالها خلال الحملة تلك التي تتعلق بأرقام الوظائف. فأوباما مغرم بالقول- كما فعل في المناظرة الرئاسية الأخيرة- أن أميركا قد نجحت في خلق 5.2 مليون وظيفة جديدة خلال الـ31 شهراً الأخيرة من ولايته. وهذا الرقم يمثل حجة رئيسية تدعو لإعادة انتخابه، ووصف للكيفية التي يبدو عليها التعافي في أي اقتصاد. ولكن هذا الرقم له مشاكله. فأوباما بدأ الإحصاء من أدنى نسبة وصل إليها التوظيف، أي اعتباراً من فبراير 2010 ، وبعد عام كامل على توليه الحكم؛ علاوة على أن الرقم الذي ذكره يتعلق فقط بالقطاع الخاص. لم يذكر أوباما مثلاً أن القطاع الحكومي قد فقد خلال نفس الفترة 537 ألف وظيفة وهو ما يجعل الرقم الذي ذكره يفتقر إلى السياق علاوة على أن خلق 5.2 مليون وظيفة خلال عامين ونصف العام ليس بالشيء الكثير، لأنه ببساطة يعادل خلق 167 ألف وظيفة شهرياً ، وهو أيضاً رقم ليس بالكبير خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار المدى الذي كان معدل خلق الوظائف قد تدنى إليه. ما يمكن الخلوص إليه بعد أخذ عدد كبير من الأرقام والتواريخ في الاعتبار التي قد لا يتسع المجال لإيرادها أن سوق الوظائف خلال ولاية أوباما قد صعد نصف المسافة التي يجب أن يصعدها للخروج من الهاوية الاقتصادية. ومن هنا فإن قوله " إن سياساتي قد ساعدت على عكس نصف الألم الذي عانينا منه جراء الركود" لا يعتبر خطاً دعائياً فعالاً في سياق الحملة الانتخابية. أما النقطة المركزية في حملة المرشح الجمهوري رومني فلم تكن هي الشيء الذي سيقوم بإنجازه في المجال الاقتصادي، وإنما الهجوم على سياسات أوباما وأدائه الاقتصادي وهو ما استلزم منه تقديم قائمة مطولة بالإحصائيات الاقتصادية. ليس مهماً هنا أن نتذكر تفاصيل تلك الأرقام، ولكن المهم هو تأثيرها. وكان هناك محرض كبير لكل من أوباما ورومني على استخدام أو إساءة استخدام الإحصائيات الاقتصادية ألا وهو وسائل الإعلام. فنحن – في وسائل الإعلام- نحتاج إلى تلك الإحصائيات، كما يحتاج إليها المرشحان تماماً. ولكن الفارق هذا العام هو أننا قرأنا أكثر مما ينبغي عن آخر الإحصائيات الاقتصادية وتأثيراتها ومغازيها الضمنية بالنسبة للانتخابات. إن واحدة من أهم النقاط التي استخدمتها وسائل الإعلام في حملة 2012 هي القول بأنه منذ عام 1940 عندما فاز روزفلت بفترة ولاية ثالثة، لم يتمكن أي رئيس من كسب فترة ولاية ثانية إلا إذا ما كان رقم البطالة فوق نسبة 7.2 في المئة، على الرغم من أن ذلك ليس حقيقياً وهناك أدلة كثيرة على أنه ليس كذلك. قصارى القول إن الرقم الذي سيحدد نجاح مرشح وفشل الآخر في انتخابات هذا العام- من وجهة نظري هو رقم -270 وهو الرقم الذي يحتاج إليه أي منهما في المجمع الانتخابي كي يتمكن من حسم السباق لصالحه. ------- زكاري أيه. جولدفارب محلل اقتصادي أميركي ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"