كان الأسبوع الماضي أسبوعاً سيئاً لصناع السياسة الأميركيين المعنيين بالشرق الأوسط، وسوف يكون من المهم رؤية كيف يتم تفسيره من قبل رومني وأوباما في مناظرتهما الثانية التي يفترض أن تكون قد تمت بعد نشر هذا المقال. منذ بداية اليقظة العربية كان رأيي أنه من الأفضل بقدر الإمكان البقاء خارج هذه الأحداث، وألا نحاول السيطرة عليها من أي ناحية. لكن القيام بذلك بدا وكأنه محاولة سيكون مآلها الفشل حتماً، وستترك الدول الغربية تعاني من أضرار جانبية خطيرة. ما حدث هو أن فرنسا بناءً على تحريض من مثقف فرنسي عصري هو برنارد هنري ليفي، ورئيس فرنسي سهل الانقياد لأهوائه هو ساركوزي، جرّا بريطانيا والناتو والولايات المتحدة إلى قلب التمرد في ليبيا، أما أميركا فقررت على مضض "القيادة من الخلف"! وقد نجح هذا الموقف جزئياً قبل أن يخرج عن نطاق السيطرة، مع الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، والذي كان من الطبيعي أن يلقي الجمهوريون بمسؤوليته على عاتق الرئيس. وحالياً يخطط البنتاجون لعملية كوماندوز دربت أميركا القوة التي ستقوم بها، للسيطرة على دولة في ظروف يصعب السيطرة عليها. تلك الدولة هي سوريا التي تندلع فيها الآن حرب أهلية، تُخاض في ظلال المواجهة الطائفية والصراع على النفوذ الإقليمي بين إيران وخصومها الإقليميين. وحسبما تفيد الأنباء، فإن الولايات المتحدة تنخرط حالياً في تسليح مقاتلي المعارضة السنة، الذين يتواجد بينهم الأصوليون الإسلاميون بأعداد متزايدة، بينما تواصل إسرائيل حربها السرية ضد إيران. شخصياً أجد أنه من الصعب عليّ تصديق أن الولايات المتحدة يمكن أن تستفيد من كل ذلك، خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان أن توسط الأمم المتحدة في الأمر يبدو الآن خياراً لا يكاد يُرى. وفي موضوع مختلف كتبت عنه مؤخراً، هو موضوع الإندماج بين مجموعتي EADS-BAE العملاقتين للدفاع الجوي الذي أثار ضجة لدى دوائر معينة، أجد من الملفت للانتباه أن الحكومة الألمانية هي التي قتلت الصفقة وليس القوميين الفرنسيين. سوف أتخيل هنا ببساطة أن حكومة هولاند الاشتراكية التي أظهرت مستوى مزعجاً من عدم الاحتراف خلال شهورها الأولى في السلطة، لم تفهم المعاني الضمنية لاندماج المجموعتين المشار إليهما، مما وضع الكونسورتيوم الأنجلو أميركي المالك لهما في مأزق خطير. فشركة EADS، شركة مزدهرة أوروبية بالكامل، ولديها دفتر طلبات شراء تجارية ضخم، مكونه الأساسي طائرات أيرباص التي تنتجها فرنسا وألمانيا، والمضمونة مبدئياً من قبل قروض ضخمة من دافعي الضرائب الأوروبيين. ولو كان الدمج بين الشركتين قد تم، لكانت الحكومتان الألمانية والفرنسية قد حصلتا على مكافأة سخية تتمثل في "نصيب ذهبي" لكل منهما، كان يكفي لمنح كل منهما حق الاعتراض (الفيتو) على بيع الشركة لشركة أخرى. أما الشركة الأخرى، وهي BAE، فكانت قد ذهبت إلى الولايات المتحدة عام 2005 عندما كانت طلبات الشراء البريطانية تمر بحالة من الانكماش، ورأى القائمون عليها في حينه أن تحولها لشركة أميركية سوف يتيح لها الفرصة للاستفادة من المشتريات الضخمة المتوقعة من البنتاجون، والذي كان يبدو في ذلك الوقت وكأنه في طريقه لخوض حرب ضد العالم. لكن الذي حدث هو أن الشركة حيل بينها وبين عقود الدفاع السرية للمنتجات فائقة التقنية التي يسمح للمواطنين الأميركيين فقط بالعمل فيها. وحاولت الشركة من دون جدوى الاندماج مع شركة أميركية، لكن مجلس إدارتها في لندن اعترض على ذلك لأن الشركة كانت من بين شركات صناعة الطيران البريطانية التي تعد الوارث الوحيد المتبقي على قيد الحياة من بين جميع الشركات التي ساهمت في صنع مجد بريطانيا وريادتها التاريخية في تلك الصناعة. وفي عامي 2011- 2012 فكّر "إيان كنج" و"توم أندرز" من شركة EADS في اندماج الشركتين. في ذلك الوقت كانت BAE على علاقة سيئة مع مستثمرها الرئيسي (إينفسكو لدمج الصناديق)، كما كشفت رويترز عن أن المستثمرين الآخرين في الشركة كانوا متضايقين من موضوع الاندماج رغم الظروف المالية الصعبة التي كانت تمر بها الشركة. أما في شركة EADS فكان الوضع مختلفاً، حيث كانت خزينتها تحتوي على أرصدة تقدر بستة مليارات يورو. وكانت الشركة ترغب في التوسع للحصول على مزيد من عقود وزارة الدفاع، وكان لديها مرشح (متمنع) للاندماج في أوروبا متمثلاً في مجموعة Thales الفرنسية للصناعات الإلكترونية، تحت التوجيه العملياتي لشركة داسو الفرنسية للصناعات الدفاعية التي تنتج طائرات الميراج المقاتلة والقاذفة التي دخلت مؤخراً في صفقة لإعادة تزويد القوات الجوية الهندية بالطائرات. الخاسران العالميان المتوقعان في صناعة الطيران الآن، من جراء فشل عملية الإندماج، هما -كما تلمح جريدة "لوموند" الفرنسية، "إيان كنج" و"ديك أولفر" (رئيس مجالس إدارة BAE)، وأضيف إليهما "توم أندرز" باعتباره الثاني إلى جانب "إيان كنج" الذي كان قد طرح فكرة الدمج بين الشركتين. ويليام فاف كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تربيون ميديا سيرفس"