الهجوم الذي شنته "الجارديان" البريطانية في الأيام الماضية، هو تكثيف لأزمة بعض الناشطين والصحفيين الذين لا يريدون الإقرار بأن نموذجهم في الديمقراطية والحريات ليس هو نهاية التاريخ. فهم ينظرون من منظار ضيق، ولا يمكنهم الإطلال على العالم إلا من خلاله. لذلك فهم لا يتساءلون: لماذا هذه المجتمعات الخليجية لا تشعر بالغضب؟ لم يسألوا أنفسهم: لماذا يشعر مواطنو دولة الإمارات العربية المتحدة والمقيمون فيها، بمستوى رضى وسعادة لا تنطبق عليها شروط البريطانيين للحريات وحقوق الإنسان؟ لم يسألوا أنفسهم: لماذا يجد الإماراتيون الرضى والأمان في اتحاد صمد 42 عاماً ويستمر على قلب رجل واحد؟ لا يحفرون عميقاً بالسؤال: هل الإماراتيون قانعون وسعداء بحكامهم الذين يعرفونهم منذ 300 عام، أم يمكن أن يقبلوا إسلاميين ولاءهم لتنظيماتهم وخيرهم لكوادرهم، لا يعرفون لهم وطناً إلا الجماعة وما يمليه المرشد؟ ما نشرته "الجارديان" يؤكد أن القائمين عليها يجهلون أن الحفاظ على الاتحاد هو الغذاء الذي ينمو عليه الصغار، والحلم الذي يرعاه الكبار، والأغنية التي تشدو بها الصبايا في هذا البلد. من الاتحاد يستلهم الإماراتيون وجودهم وهويتهم، وليس من تنظيمات سرية تسعى لإثارة النعرات وتهديد وفاق عقود من السنين بين مواطني الإمارات السبع. ربما يكون الألم أكثر مع البعض الذين يتوهمون بأن كل القوانين والسنن، يجب أن تحابيهم. وفي مناخ كهذا تترعرع مشاعر الغيرة، ليس فقط في الشارع وبين العامة، وإنما أيضاً عند بعض من النخبة الذين يجدون في وسائل الإعلام وبعض المثقفين والصحفيين متنفساً لهم. منذ سنوات وبعض الديبلوماسيين البريطانيين في اجتماعاتهم مع مسؤولين خليجيين ومفكرين مسلمين لا يكتمون مشاعر القلق من وجود أكثر من مليون ومئتي ألف باكستاني يحملون الجنسية البريطانية. يشكو المسؤولون البريطانيون بأن المسلمين الباكستانيين يثيرون المخاوف والقلق لدى المخابرات وأجهزة الأمن البريطانية، لأنهم كل سنة يزورون بلدهم الأصلي باكستان، ويلحقون أبناءهم بحلقات تحفيظ القرآن في العطلات الصيفية. وقبل عامين ذكر لي مسؤول أمني بريطاني أن المسلمين البريطانيين الباكستانيين هم مشاريع كامنة وجاهزة لدعم الإرهاب والتطرف. لهذا تقوم اليوم دول أوروبية، ضمنها بريطانيا، بتشديد شروط الحصول على الجنسية، في محاولة تبدو يائسة لتدارك الهوس اليساري الذي أصاب أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية بفتح الهجرة والتجنيس وتشجيع التنوع، عسى أن يمنح ذلك أوروبا بعضاً من الهدوء، ويسهم في تخفيف العداء بين شعوبها التي كادت تفنى من حروب أهلية وإبادات استمرت قروناً. إن ما تواجهه بريطانيا من مشكلة متفاقمة مع بعض مسلميها، هو الأصل في كثير من بلدان المسلمين، لكن الإمارات استطاعت أن تنجو من هذا البلاء الذي يضرب في كل مكان، فحافظت على إسلامها وانتمائها، وسعت جهدها لإغلاق كل المسارب التي يمكن أن ينمو عبرها التطرف أو التنظيمات السرية. وبما أن الجارديان ليس لديها أي حرج مع ديمقراطية الإسلاميين وتجاربهم البائسة في بلدان معروفة، فما الذي يزعجها في ديمقراطية فصّلها الإماراتيون على مقاسهم، عبر قرون من التوافق والانسجام، فانعكست في كل ما نراه اليوم من رفاه وتنمية؟