المدينة التونسية التي خطوت فيها خطواتي الأولى اسمها "الكيف". ولدَت أحلامي وطموحاتي الأولى في هذه المدينة. لكن عندما يسمع معظم التونسيين اسم "الكيف"، تبرز صور نمطية معينة إلى الأذهان، حملها معظم التونسيين: شتاء قاسٍ، وعدم استقرار اقتصادي واجتماعي نظراً لحجم المنطقة المترامية الأطراف، والتي يتكون معظمها من قرى صغيرة معزولة. اشتهرت "الكيف"، التي تقع في شمال غرب تونس، بتاريخها الروماني والبربري. إلا أن ما يميز "الكيف" فوق كل شيء هو المسرح، المسرح الذي منح المدينة نافذة على العالم الخارجي. من خلال المسرح في "الكيف"، تلتقي الثقافات المختلفة معاً، ويصبح الانفتاح نحو الآخر على قيد الحياة وبصحة جيدة. الانفتاح الذي أعرب عنه مسرح "الكيف" موجود أيضاً في تكوين المدينة. ففي مركز مدينة "الكيف"، والذي تم بناؤه قبل قرون عديدة، توجد كنيسة وكاتدرائية ومسجد ضمن مساحة خمسة كيلومترات مربعة. ويظهر ذلك أن التسامح لدى التونسيين، وسكان "الكيف" بالذات، يعود إلى قرون عديدة قبل وقتنا الحالي. هناك إرث من الانفتاح لكافة الزائرين يتشاركون فيه عبر الأجيال. تلك هي الروح التي يعبّر عنها مسرح المدينة. تأتي أعظم الأسماء في المسرح التونسي والمشهد الموسيقي من مدينة "الكيف"، وتضم ممثلين مثل أحمد سنوسي، والفكاهي والممثل السينمائي لامين نهدي الذي حصل على جائزة أفضل ممثل في مهرجان قرطاج للأفلام، والمطربة شبلية راشد التي أثرت أعمالها الموسيقية في موسيقى تونس المعاصرة. وفي سبعينيات القرن الماضي أسس منصف سويسي "مجموعة الكيف المسرحية"، وهي مجموعة بديلة عكست الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمنطقة. كان ذلك التركيز على القضايا المعاصرة، بدلاً من التاريخ، جديداً على تونس. تمكّنوا، وخلال فترة وجيزة من تحدّي "مجموعة مسرح علي بن عايد" الكلاسيكية الشهيرة في تونس، ومن إيجاد مدرسة بديلة للمسرح. نظمت "الكيف" تكريماً ليوم المسرح العالمي في 27 مارس، وكانت مناسبة عُرِفَت بِـ"مسرح الـ24 ساعة دون توقف". يشكّل هذا الحدث الذي أطلقه عام 2001 الفنان الأسعد بن عبد الله "مزيجاً" يجري فيه الترحيب بكل شيء. وقد ضم الحدث الأخير معاً 22 مسرحية وست تمثيليات غنائية وأداء في الشارع بالإضافة إلى ورش فنية. تجري العروض في مواقع مختلفة: مركز الفنون الدرامية، وكنيسة المهد، وكنيسة القديس بطرس، ومركز الثقافة، وحتى قاعة الرياضة حيث عرضت مدرسة السيرك الوطنية إحدى انتاجاتها الخاصة. تجري في كل سنة دعوة مجموعات من دول أجنبية للمشاركة في هذا الحدث. وفي الماضي شاركت فرق من إيطاليا وفرنسا وهولندا والمغرب ولبنان وسوريا والسويد، ففتحت المدينة للعالم. وتجري دعوة ضيوف من دول أجنبية لاستكشاف مدينة "الكيف" الدافئة المرحّبة وراعية الوعي الثقافي. واليوم، تستمر "الكيف" بالترحيب بالفنانين الشباب الذين يطمحون إلى تحقيق فرق من خلال تغيير وجه المسرح التونسي وفتحه على العالم. لقد أصبح "مسرح 24 ساعة دون توقف" نجاحاً فنياً وثقافياً، كما أثّر هذا الحدث على المدينة نفسها وأتى بالزائرين من كافة أنحاء العالم وأوجد مساحة تجتمع فيها الثقافات المختلفة لتثري المدينة. أمينة بنخليفة باحثة تونسية ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند" الإخبارية