تتسارع الأحداث في الوطن العربي بعد وصول جماعات الإسلام السياسي للسلطة عن طريق الاقتراع العام، حيث نجد محاولات جادة لإجهاض التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر من خلال محاولة "الإخوان المسلمين" وضع دستور جديد ذي طابع إسلامي، كما يحاول "الإخوان" أسلمة القوانين وأخونة المناهج الدراسية ومصادرة الحريات والتدخل في أعمال السلطة القضائية حيث سعوا للإطاحة بالنائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، ولولا وقوف نادي القضاة مع القانون وتطبيقه ضماناً للموضوعية والحيادية التي تشهدها مصر في حياتها الديمقراطية، لما تم التراجع عن قرار الإقالة. لقد أثبت قضاة مصر أنهم الحصن الحصين للدولة المدنية، فـ"الإخوان المسلمون" لا يمكن الثقة بهم لأنهم وصلوا إلى السلطة عن طريق الاقتراع العام بعد 80 عاماً من المعارضة للأنظمة المختلفة. الآن وبعد أن وصلوا إلى السلطة نجدهم يحاولون الانقضاض على الديمقراطية وتغيير مسارها عبر محاولة تغيير الدستور وأسلمة القوانين وأخونة المناهج والصحافة ومحاولة تضييق الحريات في الفن والأدب. ما يحدث في مصر بعد ثورات "الربيع العربي" ووجود "الإخوان"، يثير قلقاً لدى الأنظمة العربية الأخرى من تطرف "الإخوان المسلمين" وتقلب سياساتهم وشغفهم المطلق بالوصول إلى السلطة. الآن أين يكمن خطر "الإخوان المسلمين" القادم؟ واضح جداً أن قوة "الإخوان" تكمن في مقدرتهم على حشد الشارع، فقد رفعوا شعار الدعوة للديمقراطية والحريات لكي يصلوا إلى السلطة، فالدول العربية التي تتمتع بهامش من الحرية والديمقراطية هي المرشحة لقفز "الإخوان" على السلطة فيها عن طريق الانتخابات. واليوم نراهم يقودون المظاهرات في كل من الأردن والكويت، حيث سمحت الأردن لـ"الإخوان" بالعمل الحزبي، لذلك نراهم ينظمون الشارع كل جمعة في تظاهرات ضد النظام تطالب بحكومة شعبية وحكم ملكي دستوري تمهيداً للقفز على السلطة. أما في الكويت التي تنعم بنظام ديمقراطي وحريات، فتعمل القوى القومية والإسلامية والليبرالية من خلال جمعيات النفع العام، لأن الأحزاب ممنوعة، وقد استطاع "الإخوان" بعد أكثر من خمسين عاماً من العمل المنظم، الهيمنة على بعض مؤسسات الدولة، مثل وزارة التربية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة العدل، وأصبحوا يملكون مؤسسات مالية ضخمة وشركات إسلامية، كما يهيمنون على بعض النقابات العمالية، وعلى الاتحاد الوطني لطلبة الكويت، وجمعية المعلمين وغيرها. وقد حققوا كل هذه الإنجازات السياسية والمالية عبر تعاونهم وتحالفهم مع الحكومة التي أشركتهم في أكثر من وزارة. واليوم يتظاهر "الإخوان" وأقطاب المعارضة البرلمانية الكويتية الأخرى مطالبين بحكومة شعبية وإمارة دستورية، رافضين الصلاحيات الدستورية التي خوّلها الدستور لأمير البلاد. قد يتساءل القارئ: لماذا الاعتراض على وجود "الإخوان المسلمين" بالسلطة في أكثر من قطر عربي مادام عملهم مشروعاً وقد وصلوا إلى السلطة عن طريق الاقتراع العام والانتخابات الديمقراطية؟ لا أعترض على وصولهم للسلطة، لكني متخوف وقلق على مستقبل الديمقراطية والحريات في الوطن العربي، لأن "الإخوان" انتهازيون لا يؤمنون بالديمقراطية بل يتخذونها مطية للوصول إلى السلطة أو الحكم، وعندما يتحكمون ويصلون للسلطة عن الطريق الديمقراطي، يحاولون تغيير اللعبة السياسية لصالحهم من خلال تغيير الدستور وأسلمة القوانين ومصادرة الحريات وخلق الفتن في المجتمع الواحد، لبغضهم للأقليات الدينية. كل هم "الإخوان المسلمين" هو الوثوب أو القفز على السلطة والتحكم بالبشر... فحذار منهم.