هل النقد الافتراضي الذي سيرد تالياً في ثنايا هذا المقال لسياسة الولايات المتحدة الخارجية يتعلق بالفترة الأولى لولاية رومني أم الفترة الثانية من ولاية أوباما؟! تاريخ هذا السؤال هو شهر أكتوبر 2016 (أي قبل الانتخابات الرئاسية في ذلك العام بشهر واحد). القائمة الكاملة للكوارث التي نتجت عن الإهمال والسلبية أطول مما يمكن سردها، ولكن يمكننا مع ذلك إبراز أكثرها إثباتاً للاتهام: في أكتوبر 2016، نجد أن الإسرائيليين والفلسطينيين قد باتوا أكثر بعداً عن السلام عما كانوا عليه في السابق. والتحرك المصري نحو الديمقراطية الذي كان واعداً في وقت ما، توقف بعد أن غدت حكومة "الإخوان المسلمين" أكثر سلطوية. ما زالت المخدرات تتدفق على المدن الأميركية، في الآن ذاته الذي تستنزف فيه حرب المخدرات جارتنا الجنوبية. الأوروبيون ما زالوا حتى الآن عاجزين عن ترتيب بيتهم الاقتصادي من الداخل. أخطر أخطاء الإدارة الأميركية جاءت في تلك اللحظات الحرجة التي افتقرت فيها إلى الحسم، وتجاهلت التعقيدات، واعتمدت على التحليل الخاطئ . ففي سوريا رفضت الإدارة نشر القوة الجوية التي أثبتت كفاءة كبيرة في ليبيا، وتبنت بدلاً من ذلك جهداً عقيماً لتسليح المعارضة غير الكفؤة وغير المتماسكة في سعيها الذي كان محكوماً عليه منذ البداية بالفشل لإطاحة بشار الأسد. على الرغم من الإدارة قالت مراراً وتكراراً إن سقوط الأسد قد بات حتمياً، إلا أنها رفضت بذل جهد لتحقيق ذلك السقوط، وفي غضون ذلك لقى عشرات الآلاف من السوريين وغيرهم مصرعهم، وانتشر عدم الاستقرار والعنف إلى لبنان والعراق والأردن، وتسربت أسلحة الولايات المتحدة إلى أيدي الإرهابيين وأصبحت الحرب الأهلية تكتنف معظم أجزاء تلك المنطقة الشديدة الأهمية من الناحية الاستراتيجية مما حولها إلى ساحة لعب مفتوحة أمام" القاعدة" و"قوة القدس" التابعة لإيران. أخفقت محاولة الإدارة لتبني موقف أكثر صرامة في التعامل مع الصين. فبدلاً من السعي للتعاطي مع قوة كان صعودها" الذي لا يمكن إيقافه" واضحاً للجميع، عملت الإدارة على تعزيز وجودها العسكري في آسيا وانتقدت انتهاكات الصين لحقوق الإنسان، وزادت من القيود التجارية المفروضة على البضائع الصينية. وردت الصين على ذلك بمضاعفة ميزانيتها الدفاعية ومطالبة الولايات المتحدة بإنهاء المساعدة العسكرية لتايوان، وإقناعها بالتوقف عن مطالبها المغرورة بمد نطاق مياهها الإقليمية، الأمر الذي ترك الولايات المتحدة أمام خيار بائس: إما التخلي عن حلفائها،أو ممارسة البلطجة والمغامرة بخطر الدخول في صراع عسكري. والفوضى في سوريا، والانتكاسات في السياسة مع الصين، لا تعدان شيئاً بالمقارنة بالحرب التالية الوشيكة بين الهند وباكستان والتي تهدد بأن تكون أول حرب تقع بين قوتين نوويتين. لقد ركزت الإدارة على مشكلات الماضي، واستنفدت طاقتها في شرق آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، وغفلت عن الكارثة الواضحة في جنوب آسيا. فعلى الرغم من الأعمال الإرهابية المتكررة المدعومة من قبل باكستان ضد الهند، فإن الإدارة الأميركية لم تأبه بتنبؤات استخباراتها عن الهجمات الوحشية التي شنتها جماعة "لشكر طيبة" على الفنادق والمواقع السياحية في مومباي الشهر الماضي( يقصد سبتمبر 2016) وهي تكرار لهجمات كانت قد وقعت ضد الهند أعوام 1993، و2006، و2008. كانت السياسة المتبعة من جانب الإدارة قبل وقوع تلك الهجمات هي توجيه ضربات بواسطة الطائرات التي تطير من دون طيار، والاستمرار في خطط سحب القوات من أفغانستان، وهو ما أعطى الانطباع لباكستان أنها قادرة على التصرف بحصانة ودون أن ينالها عقاب. ولكن الهند هذه المرة قررت ألا تدير خدها الآخر كما كانت تفعل، حيث ينادي السياسيون القوميون المتعصبون فيها بالقصاص وهو ما دفع الحكومة لحشد قواتها على الحدود. لو لم تقض الإدارة السنوات الأربع الماضية في الهوس المرضي حول الضربة العسكرية الإسرائيلية الممكنة ضد إيران- وهي خدعة واضحة- لكان من الممكن أن تحول دون التصعيد نحو حرب ذرية بين الهند وباكستان الذي يواجهنا الآن. إذن يمكن القول إن الإجابة على السؤال الذي بدأنا به المقال هو: الاثنان سيان … يمكنك أن تختار منهما ما شئت. سؤال آخر: هل يمكن أن تتكرر كل الإخفاقات التي سردناها هنا خلال السنوات الأربع القادمة؟ الإجابة هي: لا على الأرجح. ولكننا يجب أن نعرف أن النكسات تحدث بالفعل مع كل إدارة، مما يعني أن فترة ولاية أوباما الثانية، أو ولاية رومني الأولى لن تكون استثناء من هذه القاعدة. ولكن عندما تحدث تلك النكسات فإن الخبراء سيصفون استجابات واشنطن بأنها إخفاقات، وسينعون عليها عدم قدرتها على التصرف على الرغم من أن تلك النكسات كانت" حتمية" أو"واضحة" أو "من النوع الذي يمكن منعه" على حد وصف هؤلاء الخبراء. لا يعني هذا أن الإدارات لا تحقق إنجازات...فالحقيقة أنها تحقق إنجازات ولكن الإنجازات يتم النظر إليها على أنها أمور مسلم بها، وكان يجب أن تتم في كل الأحوال في الوقت نفسه، الذي يتم فيه تشريح الإخفاقات والانتكاسات بشكل مبالغ فيه. بالنسبة لمشكلات السياسة الخارجية يمكن القول إن الولايات المتحدة تختار عادة بين السيئ وبين الخطِر مثلاً: هل تترك إيران تتحول لدولة نووية... أم تقوم بشن حرب- أو دعم حرب تشنها إسرائيل -على الرغم من أن تلك الحرب يمكن أن تخفق؟ لقد أثبت التاريخ أن هناك عدداً قليلاً في الحقيقة من مشكلات السياسة الخارجية، هو الذي يمكن حله تماماً وأن معظم تلك المشكلات تندرج ضمن النوع الذي يمكن في أفضل الأحوال تدبيره، أو إدارته أو تسييره على أي نحو باعتبار أن ذلك هو أفضل الممكن. يجب أن يكون هذا هو المعيار الذي يتم قياس السياسة الخارجية للإدارة المقبلة بموجبه. مع ذلك، فإن أحد التنبؤات القليلة المؤكدة التي نستطيع تقديمها في هذا السياق هو أن ذلك لن يحدث. -------- دانييل بايمان أستاذ برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة" واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"