بانتخاب رئيس جديد للصومال، وبهزيمة المتطرفين في كسمايو ومناطق أخرى، برزت أصوات متفرقة تقول بإمكانية إصلاح الأوضاع، ولو جزئياً على يد الرئيس الجديد. ورغم أمانينا الطيبة للشعب الصومالي المغلوب على أمره، بحدوث ذلك، فإن الصورة تبدو لنا من الخارج وهي قاتمة جداً، ولا يزال المستقبل يحمل الكثير من المعاناة للصومال وأهل الصومال. ففي الوقت الذي لا تزال فيه سياسات الانتقال والتحول من مرحلة إلى أخرى مستمرة، والحرب ضد "الشباب" تسيطر على أحداث القطر، والأوضاع في وسط البلاد وجنوبها متردية، حيث تتواجد منظومة من الضغوط الشديدة التي تجعل من إمكانية العيش عند حد الكفاف تتناقص بشكل مضطرد ينتج عنها هجرة جماعية ليس من الممكن إيقافها وتتسبب لكل من الصومال وجواره الجغرافي تداعيات خطيرة على المدى البعيد. بالنسبة للمنظور السياسي قصير الأمد الذي سيواجهه الرئيس الجديد، فإن نظرة فاحصة على العملية الانتقالية وما تتسبب فيه منظمة "الشباب" من عدم استقرار للبلاد، توضح بأن تغييرات قليلة يمكن أن تحدث على يد الرئيس الجديد، وستكون أقل بكثير من سقف الآمال والأماني والتطلعات التي طرحت عند انتخابه. إن محاذير التفاؤل والتشاؤم هذه ليست بالأمر الجديد بالنسبة للسياسات الصومالية، فمنذ عام 1991 مرّت على الصومال العديد من دورات التعضيد والتشتت السياسي، ودون شك بأنها تمر في هذه المرحلة بفصل جديد في التشتت، حيث تعاني جميع التيارات والفصائل بدرجة من الوهن والإعياء، بما في ذلك الحكومة المركزية والشباب، ويمكن لأي منها الانهيار في أية لحظة بسبب ما يتكبده الجميع من خسائر في كل شيء نتيجة لاستمرار الحرب الأهلية لوقت طويل منذ انهيار نظام محمد سياد بري. وحتى بالنسبة لحكومتي الشمال المستقرة نسبياً وهما "جمهورية أرض الصومال" و"جمهورية بونت لاند"، فإنهما تواجهان المصاعب المستمرة الآتية من الجيوب الصغيرة فيهما، فهذه الجيوب تطالب بالانفصال، وتُعلن عن نفسها دولاً في داخل الإقليمين المنفصلين أصلاً عن دولة الصومال التي أعلنت كدولة موحدة بعد خروج دول الاستعمار الأوروبية منها. أهم جيبين يُسببان القلق لـ"أرض الصومال" و"بونت لاند" هما "سول" و"ساناج"، ولحسن الحظ، فإن "أرض الصومال" تمكنت من الاحتفاظ بدرجة مدهشة من الاستقرار والتعافي الاقتصادي والديمقراطية، وهي بذلك تقدم نفسها كمثال يحتذى به لبقية الصوماليين بأن السلام والحكم المستقر ليسا من الأمور التي لا يمكن تحقيقها. الرئيس الجديد سيواجه معضلة هي أن التشتت السياسي الحاصل في جنوب ووسط البلاد يتسبب في عودة استقواء شوكة الميليشيات القبلية التي قلت حدتها لفترة وجيزة، والتي يُطلق عليها مسمى عودة أمراء الحرب. إن مقديشو وحدها تضم حوالي 20 فصيلاً أو أكثر من هذه الميليشيات التي تسيطر على أحياء العاصمة السكنية، وتتصرف باستقلالية عن سلطة الدولة وسلطة الفصائل الكبرى كتنظيم "الشباب" عندما كان يسيطر على العاصمة. هذا التشتت السياسي ينتقص من سلطة الرئيس الصومالي وحكومته، وسيعيق عمله كثيراً في إطار سعيه نحو استعادة هيبة الدولة وسيخلق له بيئة عمل معقدة ستجبر رجال الأعمال والمجتمع المدني ومنظمات الإغاثة الدولية على الهجرة إنْ كانت متواجدة في الداخل، أو العزوف عن الذهاب إليها إنْ كانت تزمع ذلك. ولكن في الوقت نفسه، فإن الصوماليين أنفسهم تعودوا على العيش في هذه البيئة المضطربة وتعلموا التكيف مع أوضاعها إلى أن تأتي مبادرة جديدة تسعى إلى تقوية سلطة الدولة وهيبتها، فهل سيكون الرئيس الجديد هو المنقذ الذي سيعيد الأمور إلى نصابها؟ رغم الشكوك دعونا نتفاءل، لعلّ وعسى!