تشهد عملية الانسحاب الوشيكة للقوات الغربية من أفغانستان تغيراً في المعادلة الحاكمة لها في الوقت الراهن حيث تقوم العديد من الدول الكبرى بمحاولات حثيثة لموازنة علاقاتها مع الهند وباكستان. وفي الوقت الذي تنظر فيه الولايات المتحدة إلى باكستان باعتبارها بلداً رئيسياً، يتمتع بأقوى نفوذ في أفغانستان بالمقارنة بغيره، فإن هناك في الآن ذاته إدراك متزايد بأن جلب السلام لذلك البلد الذي مزقته الحروب يجب أن يتم من خلال جهد إقليمي شامل. لكي يتم ذلك يتعين على العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان أن تتعافى مما لحق بها من أضرار جراء العملية التي شنتها وحدة خاصة من البحرية الأميركية على مدينة أبوت آباد التي كان زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن قد اتخذ منها ملاذاً. ويشار هنا إلى أن الثقة بين الحليفين ما زالت مفقودة، نظراً لاستمرار هجمات الطائرات الأميركية التي تطير من دون طيار على أهداف مشتبه بها داخل الأراضي الباكستانية. على خلفية هذه الحقائق، عمدت أميركا إلى إدخال تغيير بات محسوساً الآن على موقفها تجاه الهند. بادئ ذي بدء، ينبغي لنا أن نتذكر أن الولايات المتحدة، ومنذ فترة ليست بالبعيدة، كانت تبدي تخوفاً في تشجيع الهند- التي كانت قد لعبت دوراً مهماً في عملية إعادة الإعمار في أفغانستان- على الانخراط في ذلك البلد، خوفاً من أن يساء فهم ذلك من جانب باكستان التي تنظر الولايات المتحدة إليها باعتبارها الحليف الرئيسي لها في المنطقة. في الشهر الماضي عقدت الهند وأفغانستان والولايات المتحدة أول حوار متعدد الأطراف بينها في نيويورك على هامش الجلسة السنوية السادسة للجمعية العامة للأمم المتحدة. وهذا الاجتماع الذي يعد الأول من نوعه يأتي تعبيراً عن المعادلات المتغيرة في المنطقة، فقد تم إصدار بيان عن المحادثات جاء فيه أن الدول الثلاث قررت تعزيز الجهود التي تبذلها في أفغانستان من خلال عقد اجتماعات ثلاثية يعتبر الاجتماع الأخير الأول في سلسلة قد تكون طويلة منها. ولكن، وكدلالة على الحساسية المفرطة، والمستوى العميق من عدم الثقة السائد الآن في المنطقة فإن الولايات المتحدة والهند كانتا حريصتين على الإشارة إلى أن الاجتماع الثلاثي ليس موجهاً ضد باكستان. وفي الوقت الذي يتعمق فيه الحوار بين أميركا والهند بشأن باكستان، نجد أن هناك دولة كبرى أخرى، تعيد في الوقت الراهن موازنة علاقاتها في المنطقة، وهي روسيا المعروفة بأنها دولة صديقة وحليف مجرّب للهند منذ أيام الحرب الباردة عندما كانت الدولتان ترتبطان بمعاهدة صداقة بينهما. غير أن ذلك يبدو الآن وكأنه شيء من الماضي، بعد أن قررت موسكو العمل على إعادة موازنة علاقاتها في المنطقة. وعلى رغم أن روسيا قد حرصت على البقاء خارج المستنقع الأفغاني، فإنها ما زالت قلقة بشأن ما يمكن أن يحدث لتلك الدولة بمجرد رحيل القوات الغربية منها. ويشار في هذا السياق إلى أن الجنرال "إشفاق كياني" القائد العام للقوات المسلحة الباكستانية قام بزيارة لروسيا الأسبوع الماضي، ونجح في كسب دعم موسكو لموقف إسلام آباد تجاه الهجمات التي تشنها الطائرات الأميركية من دون طيار على أهداف داخل الأراضي الباكستانية. وتنظر الهند إلى الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" إلى باكستان باعتبارها تمثل قلب الانخراط الروسي- الباكستاني في أفغانستان. وهناك أحاديث تدور في الوقت الراهن عن توطيد للعلاقة العسكرية بين الدولتين، وكان القائد العام للقوات المسلحة الروسية الجنرال"الكسندر بوستنيكوف" قد اقترح خلال الزيارة التي قام بها لباكستان العام الماضي زيادة مستوى العلاقات الدفاعية مع إسلام آباد من خلال إجراء مناورات عسكرية مشتركة وتبادل البعثات التدريبية وشراء وبيع الأسلحة. وعلى الرغم من أنه لا توجد حتى الآن أي أدلة على قيام باكستان بشراء أسلحة من روسيا، فإن الأمر المؤكد أن ذلك الشيء لو تم فإنه سيغضب الهند. والعلاقات الهندية- الروسية ما زالت قوية، على الرغم من بعض المنغصات التي تسللت إلى العلاقة التي كانت مزدهرة إبان فترة الحرب الباردة. ففي مجال التعاون النووي تشعر روسيا في الوقت الراهن بالقلق جراء قانون تمت صياغته مؤخراً في الهند يطلق عليه قانون المسؤولية النووية يضع قيوداً صارمة على موردي المعدات النووية في حالة وقوع حادث نووي. وعلى الجانب الهندي أيضاً، هناك مسببات للغضب في إطار علاقتها مع روسيا من أبرزها في الوقت الراهن الموضوع المتعلق بحاملة طائرات بقيمة 2.3 مليار دولار يطلق عليها اسم" الجنرال جورشكوف" كانت قد بنيت في الأصل للاستخدام بواسطة البحرية الروسية، ولكن الهند اتفقت مع موسكو على شرائها بالمبلغ المشار إليه. وتنظر السلطات المعنية في الهند إلى موضوع شراء تلك الحاملة باعتباره حجر الزاوية في العلاقات الدفاعية بين البلدين. وكان من المقرر أن يتم تدشين تلك الحاملة وإدخالها للخدمة في البحرية الهندية عام 2008، غير أن العملية شهدت منذ ذلك الحين العديد من التأجيلات، وتعرضت مؤخراً لمشكلة إضافية تتعلق برغبة السلطات الروسية في زيادة السعر المقرر لإتمامها. وعلى ما يبدو أن روسيا تشعر بقلق شديد بشأن علاقات نيودلهي المتنامية مع واشنطن، وخصوصاً في مجال التعاون الأمني الذي يتيح للولايات المتحدة ليس فقط الوصول إلى جنوب آسيا وإنما القيام بغزوات سريعة في آسيا الوسطى. ومن هنا تحاول روسيا أن تجعل تحركاتها نحو باكستان متناسقة مع ما يحاول الأميركيون تحقيقه من خلال إعادة موازنة علاقاتهم بين الهند وباكستان. ونظراً لأن باكستان تسعى في الوقت الراهن إلى النأي بنفسها عن الولايات المتحدة فإنه من الطبيعي في هذه الحالة أن يغدو اهتمام روسيا بباكستان أكثر مما كان عليه في أي وقت مضى.