لاشك أنه يوجد كثيرون في العالم العربي والإسلامي يسيؤون للإسلام، إما بسلوكهم أو بانتهاجهم نهجاً متطرفاً. إنها ظاهرة "الغلو" التي ولّدت حالةً شديدةً من التطرف الناتج عن التعصب الأعمى والجهل بتعاليم الإسلام وبحقائق الواقع وشروط العصر. هذا التطرف لم يقتصر فقط على الجماعات الدينية المتشددة التي تكاثرت ولم تنجح في فهم الإسلام وممارسته بصورته المعتدلة، مثل جماعات التكفير والجهاد... بل كان للتطرف العلماني هو الآخر دور في هذا الموضوع، وبخاصة من بعض الجماعات التي نذرت نفسها لمهاجمة التقاليد الاجتماعية والرموز الدينية تحت ذرائع تتجاهل قيم الرحمة والتسامح والمحبة التي يتميز بها الإسلام. ومراجعة سجل التطرف خلال العقود الثلاثة الماضية تكشف معالم نمطي الفكر وأخطائهما ومخاطرهما... وكونهما يتلقيان في دعم وتحفيز صناعة الخوف من الإسلام في الغرب، وفي توسيع الفجوة الخلافية داخل مجتمعات العالم الإسلامي وفي جرّها للصدام مع الآخر (الغرب). لكن الأمر الداخلي قابل للمعالجة؛ كونه محصوراً في فئة قليلة لا تمثل حقيقة الإسلام ولا تعبّر عن سلوكيات جموع المسلمين، وهي في الأساس مرفوضة من غالبية المسلمين. والباحث المحايد يكتشف من دراسته الواقع الإسلامي أن الأخطاء والممارسات الشاذة والافتراءات المضللة التي تقترفها بعض الجماعات لا تعبّر عن الإسلام، وأنها في غالب الأحيان تكون ناتجة عن أوضاع معيشية أو عقد نفسية وفكرية تعانيها بعض الجماعات حيال مكونات التصور الديني. أما حول ما يحدث للإسلام في الغرب، فإن أهم دوافع الحرب على الرموز الإسلامية هناك، حسب أحد الباحثين المختصين، هو الدافع النفسي الذي من خلاله يتم نشر الأباطيل وتزييف الحقائق وتحريفها. والملاحظة الجوهرية التي يؤكد عليها ذلك الباحث هي حالة العجز عن مواجهة الخصم فكرياً، حيث تتحول أحياناً إلى حالة من الافتراء عليه. كما أن التلبس بالصفات السلبية دافع لوصف الآخرين بها درءاً للاتهام، وهو ما يعرف عند علماء النفس بآلية الإسقاط. ويضيف الباحث أن قوة الإسلام ليست من قوة أتباعه، كما في العقائد الأخرى، ولكنها قوة ذاتية تتأتى من الحقيقة الربانية لهذا الدين. وهناك دافع معرفي هو الإخفاق في مواجهة الإسلام وتفنيده فكرياً، رغم هزيمة المسلمين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فلم يبق سوى تشويه رسالته بدافع المصلحة. فالمنتفعون على مستوى العالم بتجارة الرقيق الأبيض والربا والخمور والمخدرات وأسلحة الدمار الشامل ومؤسسات الربا العالمية ومؤسسات الأزياء والتجميل... يحاربون الإسلام لأنه يحرم كثيراً من هذه الأمور التي أورثت العالم الغلاء، وكان كثير منها وراء إثارة الفتن والحروب، لاسيما في العالم الثالث الذي أصبح سوقاً لتجارة السلاح والمخدرات والرقيق الأبيض. لقد أثبتت صناعة الخوف من الإسلام أنها محرك فعّال لخلق حالة من الهلع. وإذا استمرت على ما هي عليه، فإن ذلك سيؤكد الحاجة إلى استراتيجية لمنع تشويه الإسلام وإبراز صورته الحقيقية، خاصةً بعد أن كثرت الافتراءات والأباطيل التي يروجها خصومه، فالإسلام ليس لديه مشكلة مع الآخر، بل بعض الآخر هو مَن يفتعل تلك المشكلة.