تحدثت صحف إسرائيلية عن "خطوط حمراء" يجب أن توضع لإيران، مع تأكيدات القيادة الإسرائيلية وعلى رأسها تأكيد رئيس الوزراء نتنياهو بأن إسرائيل والولايات المتحدة تشتركان في الهدف المبدئي المتمثل بوقف البرنامج النووي الإيراني، مشدداً دون كل أو ملل على أهمية وضع "خطوط حمراء" أمام إيران قبل بلوغها مرحلة تخصيب اليورانيوم التي تؤهلها لإنتاج قنبلة نووية. ويضيف نتنياهو: "في منتصف عام 2013 ستكون إيران قد قطعت 90 في المئة من الطريق صوب امتلاك يورانيوم مخصب بدرجة كافية لتصنيع قنبلة نووية". وفي خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن نتنياهو عن فشل خيارات الدبلوماسية الدولية وعدم جدوى العقوبات الاقتصادية في ردع إيران عن الاستمرار في برنامجها النووي للحصول على قنبلة نووية. العالم كله تقريباً، وعلى رأسه الولايات المتحدة نفسها، استنكر -بطريقة أو أخرى- ذلك الابتزاز من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي. وربما كان الرئيس الأميركي واضحاً حين قال إن "الضغوط التي تمارسها إسرائيل عليه لفرض خطوط حمراء على برنامج إيران النووي، هي ضوضاء يجب تجاهلها". وفي المقابل، يثار التساؤل: ماذا عن إسرائيل؟! أليس هناك خطوط حمراء ينبغي وضعها لإسرائيل وسياستها اليمينية المتطرفة؟! ثمة مقال مهم ومميز للكاتب الإسرائيلي زئيف شترنهل حمل عنوان "نتنياهو ممثل التنور"، تهكم فيه على كلمة نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتضمن فضحاً لإسرائيل ولسياسات اليمين الحاكم فيها، حيث كتب: "يبدو أن نتنياهو لا يعلم أن التنور مقرون في الغرب بحقوق الإنسان وبالعلمانية وبالعقلانية والكونية. وبحسب هذه المعايير فإن إسرائيل، دولة المستوطنين مع حاخاماتهم الذين يؤججون كراهية الأغيار، وإسرائيل دولة الحركات المسيحانية على اختلافها، وإسرائيل دولة إيلي يشاي والحاخام عوفاديا يوسف ومؤيدوهما... تلك الإسرائيل بعيدة سنين ضوئية عن أوروبا العلمانية. إن إسرائيل: مع الوزن المعروف عندنا للدين في تعريف القومية وفي سن القوانين وفي الحياة اليومية، ومع قوة الأحزاب الدينية في السياسة... تنتمي للشرق الأوسط حقاً لا إلى أوروبا". ويضيف شترنهل: "لكن مفهوم حقوق الإنسان عندنا كلمة معيبة وتُطارَد بسببها منظمات حقوق الإنسان، حيث يرى اليمين ومؤيدوه الكثر أنه لا يؤيد حقوق الإنسان سوى كارهي إسرائيل؛ لأن هذا المبدأ يجعل العربي الفلسطيني صاحب حقوق مماثلة بالتمام والكمال، في الحرية والكرامة والاستقلال، لليهودي الإسرائيلي". ويختم الكاتب قائلاً: "ليس في كل ذلك ما يلغي مبدئياً فائدة الخطوط الحمراء. فقد يكون من المرغوب فيه أن يُملى هذا الإملاء في حالة إيران، ولكن توجد حالات أخرى أيضاً: فلماذا لا تحدد خطوط حمراء للاحتلال والاستيطان الإسرائيليين؟ إن عملية الزحف المتواصل نحو ضم مزيد الأرض الفلسطينية، عملية تحتاج هي الأخرى، وبصورة يائسة، إلى خطوط حمراء". وفي افتتاحية أكثر تهكمية، لأسرة التحرير في صحيفة "هآرتس" قالوا: "لقد تجاهل نتنياهو الدعوة التي أطلقها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، من على المنصة ذاتها، للتوقيع على اتفاق سلام على أساس مبادرة السلام العربية، الصيغة التي تعرض على إسرائيل اعترافاً بحدود الخط الأخضر وعلاقات طبيعية مع كل الدول العربية. ولم يتناول رئيس الوزراء إيجاباً أم سلباً تحذير الزعيم الفلسطيني من انهيار السلطة والقضاء على حل الدولتين. وبدلا من ذلك وبّخ عباس في خطابه". وأضافت أسرة التحرير: "في الوقت الذي يتباهى فيه نتنياهو بتنور إسرائيل، فإن رجال الدين عنده يطلقون الفتاوى في مواضيع الأمن والسلام، ويمنع الحاخامات عن الأطفال حق التعليم الأساسي والنساء يُحشرن في مؤخرة الحافلات. وتحرم حكومة نتنياهو شعباً آخر من حريته، تطرد اللاجئين إلى موتهم، تطارد منظمات حقوق الإنسان وتمس بالحرية الأكاديمية. وفي الوقت الذي يعرض فيه نتنياهو خطوطاً حمراء أمام الجيران، فإن كل طفل ثالث في إسرائيل في عام 2012 يعيش تحت خطر الفقر وكل عالم رابع يبحث عن مستقبله خلف البحر". وتختم الصحيفة قائلة: "بالفعل، لقد حققت إسرائيل إنجازات مثيرة للانطباع واكتسبت لنفسها مكان شرف في عالم العلم، التكنولوجيا والثقافة. وتحت قيادة نتنياهو، ترسم قوى العصور الوسطى لليهودية المتطرفة ونزعة القومية المتشددة خطوطاً سوداء لصورة إسرائيل". إن المستعمرات (المستوطنات) هي العامل الأكثر تأثيراً في القضاء على أي أمل في اتفاقية "سلام" في المستقبل. ففي فلسطين التاريخية اليوم هناك نظام "آبارتايد" وتمييز عنصري أنشأته إسرائيل، فاق في شراسته منظومة "الآبارتايد" السابقة في جنوب إفريقيا، حيث لم يكتف الكيان الصهيوني بطرد الفلسطينيين من أرضهم، بل عمل كذلك على تجريد من تبقى منهم فيها من أي حقوق، وأتبع ذلك بأكبر عملية سرقة للأرض من أجل إحياء المستوطنات، هذا في حين يعيش قطاع غزة تحت الحصار منذ ست سنوات دون وجود أدنى مقومات للحياة. ورغم كل ذلك، يصر هذا الكيان على الفلسطيني أن يدفع تكاليف الاحتلال ونظام التمييز العنصري الذي يعانيه، بل والرضوخ له. لقد تذكر مراسل صحيفة "ذي اندبندنت" في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة (دونالد ماكنتاير)، تذكر ثماني سنوات من إرسال التقارير من المنطقة، فاستخلص أن "إسرائيل تغيرت كثيراً، مثلها مثل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومع ذلك فإن السلام يبدو أبعد منالاً من أي وقت سابق". وأضاف الصحفي البريطاني: "بينما يركز العالم على خط رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد (الأحمر)، والذي يمهد لضربة ضد إيران، تتسارع وتيرة الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية بلا هوادة". من هنا، يصبح الحديث عن "خطوط حمراء" أمام إسرائيل أكثر وجاهة من الحديث عن "خطوط حمراء" لأي طرف آخر مهما يكن موقفنا منه، لاسيما بعد أن "تميزت" الدولة الصهيونية بكونها دولة ذات عقلية انعزالية ترفض الآخر وليس العيش معه فحسب، وترتكب يومياً جرائم جديدة غير مسبوقة على الأرض الفلسطينية. كما يستمر "الاستيطان" بوتيرة هي الأشمل والأوسع منذ بداية المرحلة الثانية من الاحتلال عام 1967، وذلك بهدف إجهاض مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967، في ظل عجز دولي عن وقف الدولة العبرية عند حدها وإلزامها بوقف "الاستيطان"، وإنهاء الاحتلال والقبول بقرارات الشرعية الدولية.