في يوم الثلاثاء الماضي، كان "الباص" المدرسي المتهالك يقطع طريقه على مهل في بلدة "مينجورا" بوادي سوات وعلى متنه عدد من الصغيرات، عندما توقف فجأة ليصعد على متنه جبان من تجّار الموت والمستأسدين على الضعفاء والمسالمين والعُزّل، يقف وهو يحمل بندقيته الرشاشة التي تنثر الدمار وتُخلّف الأشلاء وتزهق أرواح الأبرياء، فهي يدٌ كأمثال من يحمل فكرها ويدينُ بانحرافها الفكري ونزقها الإنساني لا تعرف البناء ولا التعمير ولا جمع القلوب، وينادي بصوته الأجش: "أين ملالا يوسف؟"، فتقف صغيرة لا زالت في بداية سنينها الأربع عشرة وتقول:"أنا ملالا"، فيصوّب فوهة بندقيته الآثمة ويمطرها برصاصات الحقد والهمجية! تسقط الصغيرة وقد أصابتها رصاصتان إحداهما في رأسها والأخرى في عُنقها، وتسقط معها البراءة وقبلها تسقط ورقة التوت التي تستر عورة من يدّعون الدين ويتحدثون عن خيرية الإسلام الذي اغتالوه بجرائمهم وشوّهوه بأفاعيلهم التي يندى لها جبين الإنسان الشريف، فروعوا الآمنين، وسعوا لوأد أي صباحٍ سيشرق على تلك البلاد التي يمزقها الفقر ويسحقها الجهل ويتحكّم بها من لا يراعي في مؤمنٍ إلاًً ولا ذمّة! كان ذنب تلك الصغيرة أنها ندّدت بطغيان "طالبان" إبّان سيطرتهم على منطقتها، وتدميرهم لقرابة 400 مدرسة من مدارس الفتيات. وقد قامت وهي في الحادية عشرة من عمرها بالتدوين على خدمة "بي. بي. سي" باللغة الأردية باسم مستعار هو (غول ماكاي)، حاولت فيه لفت نظر الرأي العام على ما تعانيه ويعانيه سكان بلدتها من ديكتاتورية "طالبان" ونظرتهم الدونية للأنثى ومصادرة حقها في التعليم بالتحديد، وعندما استعاد الجيش الباكستاني منطقة "وادي سوات"، قام الإعلام بالكشف عن شخصيتها، واستمرت هي في المطالبة بحق الفتيات في التعليم والتنديد بالممارسات الخاطئة التي تنتهجها "طالبان" ومن دان بفكرها، ومؤخراً نالت "الجائزة الوطنية الأولى للسلام" في باكستان، وكانت ضمن المرشحين لجائزة السلام الدولية للأطفال التي تمنحها مؤسسة "كيدس رايتس" الهولندية. المتاجرون بمصطلح (حقوق الإنسان) لم نسمع لهم حِسّاً ولم نرَ ثائرتهم تقوم ويملأوا الدنيا صراخاً وعويلاً كما يفعلون تجاهنا، ولم يجندوا الإعلام المشبوه ويجيّشوا تلك الأسماء المستعارة للتنديد بما جرى، بل الصمت هو ما غلّف أبطال الخطابات وأخرس أفواه الصحف الصفراء في غرب العالم وشرقه، وهم الذين ما توانوا عن التهجّم علينا تحت هذا المُسمّى لأدنى سبب حتى تخيّلنا أن هذا المصطلح لم يتم اختراعه إلا للنيل منا في كل محفلٍ من محافلهم والتي يُقدّمون فيها منابرهم لكل من يريد التشهير بنا ويأمل بالحطّ منا، ولكنها منابر لا تتسع صدورها للسماع منا نحن، ولا تقبل بأن نُعامل بالمثل، فيسمح لنا بالرد على من أساء لنا، وكأننا لسنا من صنف (الإنسان) الذي يطالبون بحقوقه! كما تحرجهم الإمارات بنهضتها وتفوقها على الكثيرين ممن هم حولها أو من أصحاب ربطات العنق الأنيقة، فهي تحرجهم في كبريائها وثقتها بنمطها وخصوصيتها وتماسك مجتمعها رغم محاولات البعض من التأليب عليها والتشهير بها تحت مسميات فضفاضة كثيرة، وأحرجتهم أكثر وهي تقف مع كل جيرانها في محنهم ومعاناتهم، فحيثما ابتُلِيَتْ دولة بنكبة أوكارثة، كانت الإمارات هي السبّاقة دوماً للمساعدة والإغاثة دون بهرجة إعلامية كما يصنع البعض، ودون أجندات خفية لا تعطي مالم تتأكد مسبقاً أنها ستقبض شيئاً ما في المقابل، فذلك معدنها ونهج زايد الذي أرساه وسار عليه أبناؤه، وتلك هي أخلاقياتها وانسانيتها التي لا تُبارى ولا ُتجارى ولن يوهن عزمها تخرّصات أفّاكي الغرب ومن يدقون طبولهم من أجله، فالإمارات دولة لا تتاجر بآلام الآخرين ولا تنتظر الفُرص وتتحيّن الظروف الصعبة التي يمرّ بها غيرها لتفرض عليه شروطاً في مقابل مساعدتها، فأياديها بيضاء كقلوب قادتها وشعبها، وعطاؤها غير مشروط وغير منقوص ويصعب على البقية تقليده ومحاكاته! عندما سقطت ملالا وسقطت معها كذبة حقوق الإنسان، كانت الإمارات تسارع لنقلها بطائرة طبية متخصصة لمستشفى برمنجهام المتخصص في معالجة جرحى الحروب، ويخرج الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ليقول في تعليقه على هذه الجريمة التي هزّت ضمير كل إنسانٍ حُر بأنها:"ليست فقط اعتداء على طفلةٍ لا حول لها، بل هو اعتداء أيضاً على حق كل فتاةٍ في مستقبلٍ لا يكبحه ظلم ولا إجحاف" . فلا حق لأحد أن يُجهض حُلم إنسان في مستقبل أجمل، ولا سكوت لمن لا يزال يُفكّر بعقلية العصور الحجرية، ويرى استعباد الأنثى ومصادرة انسانيتها وحقها في خلق حياةٍ تستحقها وتليق بمكانتها، فالحُلم بمستقبل دون أن يكبحه ظلم ولا يقيّده إجحاف، كما أكّد سموّه، هو حق كل أنثى، فالنساء شقائق الرجال كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم، وعندما يصيب (الحَوَل) البعض ويُفصّل مقاييس حقوق الإنسان حسب مشتهاه وما يراه فكره المريب، والذي يحاول اتخاذه سهاماً للإساءة إلينا تخرج الإمارات كعادتها لتردّ عليهم بأفعالها الكبيرة ونهجها الراقي وثقتها برسوخ قدميها والتي لا تهزها زوابع المثبطين والمرجفين ومن يُطبل لهم من سماسرة الغرب وتجّار المصطلحات. مهرة سعيد المهيري كاتبة إماراتية