تقول أدبياتنا إن الإنسان مجبولٌ على فعل الخير.. وإن الديانات قد جاءت لتُكمّل بعضها بعضاً، سعياً لتكريس كرامة الإنسان وصيانة حقوقه، وترتيب أمور المجتمع، بما يضمن استمرار الحياة دون منغصات، والتعاون لدرء الأخطار الخارجية. وقد تكون منطقة الشرق الأوسط -وهي مهد الديانات السماوية- من أكثر مناطق العالم التهاباً وعنفاً في العصر الحديث. وبعد إنشاء الكيان الصهيوني عام 1948 إثر وعد بلفور المشؤوم، وعلى رغم المرارات التي عايشها الشعب الفلسطيني، ومرور عصور التخاذل العربي، والخيانات، والانتصارات الورقية والهوائية (عبر الصحف والإذاعات)، إلا أن الصراع ما زال مستمراً، والعنف ضد الشعب الفلسطيني ما زال يزداد حجماً وأثراً، مع انحسار مساحة الأمل باسترداد الأراضي السليبة، وإحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، طبقاً لاتجاهات الدول الكبرى، وحقوقها الموضوعة باستخدام حق النقض "الفيتو" ضد أي قرار يُدين الأعمال غير الإنسانية التي تقوم بها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني. وما عدا هذا الصراع المؤرق، فإن موجات العنف التي مارسها بعض المنتمين للإسلام لم تهدأ، والتنظيمات السرية أغرت بعض الشباب المسلم في اعتناق ثقافة العنف والذهاب إلى ما أسموه "مواقع الجهاد" مثل الشيشان وأفغانستان والعراق، أو ركوب الطائرات الانتحارية في الولايات المتحدة عام 2001، أو تفجير الآمنين في بعض المدن العربية الآمنة. قد نختلف مع الأمم والحكومات التي نناصبها العداء، وقد نقرأ مواقف تلك الحكومات غير المؤيدة لقضايانا! ولكن ليس من المعقول -في هذا العصر- أن نقابل تلك المواقف بآلة الموت! وإزهاق الأرواح. بل وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق. وليس مثالياً أو مقبولاً أن يُجهد العقل العربي المسلم نفسه في التفنن في اختراع آلات القتل، ومقابلة تلك المواقف -على رغم إجحافها- بروح الغاب، والتصرفات التي تخرجنا من الدائرة الإنسانية، بل والإسلامية، وكأن هذا العالم لا يتسع للرأي الآخر، أو المناقشة من أجل الوصول إلى الحلول الوسط. في بعض الدول الإسلامية خرجت "الدعوة" عن مسارها ومقاصدها السامية، واستُغلت المساجد من أجل التحريض على الانتحار والذهاب إلى الأماكن الخطرة، تماماً كما فعلت القيادة الإيرانية خلال الحرب العراقية- الإيرانية، عندما وزّعت (مفاتيح الجنة) على الشباب الإيرانيين الذين ذهبوا إلى الجبهة لقتال إخوانهم في الدين وهم العراقيون، وأن جزاءهم جراء ذلك هو الدخول في الجنة! ثم جاءت الموجة الجديدة لحرب "الشيوعيين" في أفغانستان بالوكالة عن جهات أخرى كانت تخشى التغلغل الروسي إلى جنوب آسيا، وأوحت الدول الكبرى بأن هذا التغلغل قد يصل إلى الشرق الأوسط، وبما يهدد الإسلام! وصار أن "غُررَ" بمئات من الشباب العرب والمسلمين الذين قضوا في معارك غير متكافئة، وكان من الممكن أن يكون لهم دور إيجابي في تنمية بلدانهم وخدمة مجتمعاتهم. وظهرت "القاعدة" كأبرز مثال على تعليم ثقافة العنف، ومارس بن لادن دوراً خطيراً في تلك الدروس التي بثتها بعض الفضائيات والمواقع المختلفة، أو تلك التي كان يلقيها أتباعه في العواصم العربية والإسلامية. ولسوء الحظ فقد تم ربط العمليات الإرهابية المناوئة للغرب والولايات المتحدة بالإسلام! وهذا ما أوجدَ خلطاً أو تشويشاً كبيراً في أذهان الشباب الذين عانى بعضهم الإحباط والبطالة وعدم الإقبال على المستقبل والعيش في أوراق التاريخ! وأيضاً في أذهان فئات كبيرة من المجتمعات الغربية والأميركية. وما زالت "القاعدة" على رغم مقتل بن لادن تمارس أدوارها في بث ثقافة العنف في اليمن ومناطق أخرى من العالم، على رغم إدانة العالم للعمليات التي تقوم بها ضد الآمنين، بل وضد قتل الذات، في العمليات الانتحارية. يقول الله سبحانه وتعالى: (ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين)، وفي موقع آخر من القرآن الكريم يقول: (وجادلهم بالتي هي أحسن). ولذلك، لا أعلم على أية "قاعدة" يسير أو يعتمد منتسبو (القاعدة) في قتل الأبرياء وترويع الآمنين وقتل النفس، وتعطيل الحياة التي تحتاج أكثر ما تحتاج إلى التعليم والدواء والغذاء والحكم الرشيد. نحن لا نبالغ إن قلنا إننا بحاجة إلى حماية مجتمعاتنا من التعصب وثقافة العنف لتتوجه الجهود نحو إعمار الكون، وتحقيق رفاهية الإنسان وتقدمه، وطمس الصورة النمطية التي وسمنا بها الإعلام الغربي بأننا قومٌ نحتربُ على بئر ماء أو بئر نفط! كما حصل خلال الاعتداء العراقي على دولة الكويت عام 1990. أو أننا لا نعرف الحوار، ونؤثر ثقافة "الصحون الطائرة" كما حدث في أحد اجتماعات وزراء الخارجية العرب بالقاهرة، أو أن قادتنا يجتمعون كي يهزأ بعضهم من بعض، كما كان يحصل خلال تواجد معمر القذافي وصدام في القمم العربية! نحن بحاجة إلى صورة جديدة تزيل ما علق بالرأي العام من صور سلبية اعتمدت على مشاهد العنف والشراسة وعدم التفاهم في التاريخ العربي. ونؤكد الحاجة إلى التعاون مع الجهات الأمنية لوقف ترويع الآمنين، والتغرير بشبابنا الذين نريدهم للحياة، وهم يريدونهم للموت. د. أحمد عبدالملك أكاديمي وإعلامي قطري