شهد يوم الثلاثاء الماضي إقامة العديد من الفعاليات والأنشطة، احتفالاً وإحياء لليوم العالمي للغذاء (World Food Day)، الذي يحل كل عام في السادس عشر من شهر أكتوبر، وهو نفس يوم إنشاء منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في عام 1945. وشاركت معظم دول العالم في هذه الفعاليات، بالترافق مع العديد من المنظمات الحكومية والخيرية والدولية، ومن أهمها المنظمة المعروفة ببرنامج الغذاء العالمي (World Food Programme). وحجم نشاطات هذه المنظمة، التي تعتبر ذراع الأمم المتحدة للمساعدات الغذائية، والعضو الرئيسي في مجموعة التنمية التابعة للمنظمة الدولية، يُظهر بشكل جلي فداحة الوضع الغذائي العالمي بوجه عام، وفي بعض الدول على وجه الخصوص. حيث يوفر برنامج الغذاء العالمي، ومقره العاصمة الإيطالية روما، مساعدات غذائية لتسعين مليون شخص في المتوسط سنوياً، ثمانية وخمسون مليوناً منهم من الأطفال، عبر 80 فرعاً ومكتباً منتشرة حول العالم، في الدول والمناطق التي تعجز مجتمعاتها عن توفير كميات كافية من الغذاء لشعوبها وأفرادها. وترد أسباب هذا العجز في الأساس، إلى الاضطرابات المناخية، وموجات الجفاف، التي تصيب الدول المنتجة للحبوب، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار البترول والطاقة بوجه عام، حيث يؤدي ارتفاع أسعار البترول إلى ارتفاع تكلفة الأسمدة الكيميائية، وتكلفة نقل المنتجات الغذائية، وتكلفة جميع العمليات الصناعية المصاحبة لممارسات الزراعة الحديثة. وأحياناً ما يتفاقم الوضع مع زيادة استخدام الأغذية العضوية في إنتاج الوقود الحيوي في الدول الغنية، وهي ظاهرة ترتبط أيضاً بارتفاع أسعار البترول، بدرجة تؤدي للبحث عن مصادر بديلة للطاقة. ومؤخراً أدى ارتفاع مستوى المعيشة في بعض الاقتصادات الناشئة في القارة الآسيوية، إلى زيادة الطلب على أنواع أفضل وأكثر تنوعاً من الغذاء، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بالتبعية. وتؤدي أيضاً التغيرات المناخية إلى تصحر المساحات والأراضي الزراعية، وإن كان التصحر ينتج أيضاً عن أسباب أخرى، ترتبط غالبيتها بالنشاطات البشرية. وتظهر فداحة مشكلة التصحر على الإنتاج الزراعي، وبالتالي على أسعار الغذاء، من حقيقة أن استمرار التصحر بمعدلاته الحالية في القارة الأفريقية، سيؤدي بحلول عام 2025 إلى عجز الدول الأفريقية عن إطعام 75 في المئة من أفراد شعوبها، حسب تقديرات معهد المصادر الطبيعية الأفريقية التابع لجامعة الأمم المتحدة. وبالفعل، أدت هذه العوامل مجتمعة، إلى زيادة هائلة في أسعار الغذاء خلال عام 2007، والربعين الأول والثاني من عام 2008، مما نتجت عنه اضطرابات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، في الدول الفقيرة والغنية على حد سواء. وبعد وصول الأسعار العالمية للغذاء إلى ذروتها بنهاية الربع الثاني من عام 2008، بدأت في التراجع، وبشكل حاد، مع بزوغ فجر الأزمة المالية العالمية في نهاية نفس العام، إلا أنها عادت لتزداد خلال عامي 2009 و2010 لتصل مرة أخرى إلى ذروتها في بداية عام 2011، وبمستويات أعلى من تلك التي بلغتها في عام 2008. وعلى رغم أنه كان هناك شبه اتفاق، حتى وقت قريب، على أن ارتفاع مستويات المخزون العالمي من الغذاء حالياً، ستمنع حدوث أزمة مماثلة لتلك التي حدثت عامي 2007 و 2008 إلا أن بعض التطورات الأخيرة ألقت بالكثير من الشكوك على هذا الاعتقاد. حيث شهدت الشهور الأخيرة موجات جفاف في مناطق إنتاج الحبوب في الولايات المتحدة، وانخفاض كميات الأمطار في روسيا، وأميركا الجنوبية، بالإضافة إلى جفاف الرياح الموسمية السنوية على الهند (dry monsoon) وهو ما كان له وقع كبير على إنتاجية تلك المناطق من المحاصيل الزراعية، بما أدى إلى ارتفاع مطرد في أسعار الغذاء العالمية. والمؤسف أن أية أزمة عالمية في أسعار الغذاء، سواء كانت ماضية أو مستقبلية، تترافق بعدد من التبعات الصحية الخطيرة، القصيرة والطويلة المدى. وهذه التبعات ستظهر في الأشكال التالية؛ أولاً: زيادة حالة سوء التغذية، وارتفاع نسبة الوفيات والأمراض بين الأمهات والأطفال في مراحل عمرهم الأولى. فمن المعروف أن الحوامل، والمرضعات، والأطفال حديثي الولادة، والرضع، هم الأشد حاجة إلى غذاء صحي متوازن خلال هذه المراحل الحرجة من حياتهم. ولذا دائماً ما يؤدي سوء التغذية بين هذه الفئات إلى الإصابة بالأنيميا المزمنة، والالتهابات الرئوية الحادة، والهزال العام. ثانياً: بخلاف الآثار الفورية، يتوقع لسوء التغذية المزمن أن يؤدي عادة إلى انخفاض في القدرات العقلية على المدى الطويل، وإلى تدهور في مستوى التحصيل العلمي، ومن ثم ضعف القدرة الإنتاجية للمجتمع برمته. ثالثاً: زيادة انتشار الأمراض المعدية، بسبب الضعف العام، وضعف جهاز المناعة بالتحديد، نتيجة تدهور الحالة الصحية العامة. رابعاً: الانتقاص من قدرة الفقراء على شراء الأطعمة الصحية المغذية، ولجوئهم إلى الأغذية غير الصحية، منخفضة القيمة. وهذه التغيرات في العادات الغذائية، من شأنه أن يزيد من انتشار الأمراض غير المعدية، مثل السكري وأمراض القلب، المعروف عنها ارتباطها بنوعية الغذاء. خامساً: تؤدي زيادة الإنفاق الفردي والعام على الغذاء اليومي، إلى الانتقاص مما ينفق على الرعاية الصحية من تشخيص وعلاج وإجراءات وقائية ضد الأمراض المعدية وغير المعدية. سادساً: يترتب على كل هذا في النهاية، الإخفاق في تحقيق أهداف الألفية المعنية بتحسين مستوى الصحة العام.