التعامل مع ملف الإساءة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يحتاج منا إلى تفكير في أبعاد المشكلة بطريقة تختلف عما هو حادث حالياً. فقد تناقلت وسائل الإعلام العالمية مؤخراً، تصريحات لمسؤول أفغاني يدعى فاورق حسيني يعلن فيها عن تخصيص مكافأة مالية قدرها 300 ألف دولار أميركي لمن يتمكن من قتل منتج فيلم "براءة الإسلام". وحسيني هو المتحدث الرسمي لـ 450 هيئة دينية في أفغانستان، حيث قال: إن تلك الأموال التي ستمنح للقاتل ستجمع من التجار والمستثمرين الأفغان وهو ما يزيد المشكلة تعقيداً، حيث يظهر أنه غاب عنه الإدراك بأن الشعب الأفغاني هو الأحوج إلى هذه الأموال كي يعيش بكرامة وبالتالي يدافع عن الرسول والإسلام بطريقة أفضل. حين يطالع المرء هذه التصريحات يخرج بانطباع خلاصته أن الأفغان الذين يتلقون المساعدات من دول العالم لا يفكرون سوى في توظيف أموالهم للقتل وأن هؤلاء رجال الأعمال والمستثمرين الذين يفترض أنهم يساهمون في خدمة المجتمع الأفغاني لم يعد يعنيهم شيء سوى الإثارة والفوضى وليس دفاعاً عن الرسول وعن المسلمين، لأن مثل هذا الكلام لابد أن يستفز الغرب الذي يتعاطف مع المسلمين، سوى القلة منه. الانزعاج من الإساءة إلى الرسول أمر طبيعي من كل مسلم بل إن مسألة التفكير في الانتقام له واردة لدى العديد من الرأي العام الإسلامي، لكن الجهل والسذاجة اللذين يعيش فيهما البعض ربما يضعانا كأصحاب حق في حالة الازدراء والاحتقار، لأنه لا يمكن لدولة شعبها يعيش على المساعدات الإنسانية من كل دول العالم ورجال أعمالها وتجارها يتبرعون لقتل شخص لا يمثل أي أهمية في العالم سوى أنه سيحقق ما أراده من ترسيخ صورة الإجرام عند المسلمين. الواقع أن مثل هذه التصريحات لا يمكن أن تخرج من شخصية راشدة وفي هذا التوقيت إلا إذا كان يريد أن يجعل العالم يتأكد بأن المسلمين ليس لديهم ما يستحق الاعتبار والاهتمام بالإنسانية سوى القتل وإزهاق الأرواح خاصة وأن العالم يفعل لأفغانستان عكس ما يريده حسيني وهو إحياء الإنسان الأفغاني. ينبغي أن نعترف بحقيقة أن الذين يحاولون الدفاع عن الإسلام والمسلمين أحياناً يقدمون خدمات جليلة للمتطرفين هم لم يحلموا بها حتى في الغرب نفسه وأن هؤلاء لا يدركون ذرة بسيطة من النتائج التي يمكن أن تقع على المسلمين، لأن رصد هذا المبلغ وفي دولة مثل أفغانستان معناه أن هناك غباءً في التفكير وشهوةً في القتل فقط! غاب عن حسيني الانتباه بأن الدفاع عن الرسول لا يمكن أن يكون هكذا، بل غاب عنه أيضاً أن مستثمري العالم ورجال الأعمال عادة ما يتعهدون بالقيام بأعمال إنسانية وبفعل الخير ليعيش العالم بسلام لأنها الطريقة المثالية الوحيدة في محاربة المتطرفين، أما عن القتل الذي يتباهى به فيمكن الآخرين من الزعم بأن الإسلام يفتقر إلى أبسط القيم الإنسانية وأن الانفعال في رد الفعل عادة مرتبطة بالإسلام. تصريحات حسيني وجهت سهماً مسموماً إلى المحاولات الإيجابية في العالم من أجل إفهام الرأي العام العالمي حقيقة رسولنا الكريم خاصة وأن السبب الأول في الإساءة أن الكثيرين في الغرب لا يدركون مكانته عند المسلمين، وإذا ما تحقق هدف حسيني وقتل الرجل ستتحول تصريحاته إلى قنبلة موقوتة ضد المسلمين وستنتشر شظاياها في كل دول العالم. حدة موقف الأفغاني ربما يجعل الكثيرين ينسون ما فعله صاحب الفيلم المسيء ويتذكرون فقط اللحظات التي أطلق فيها حسيني تصريحاته المسمومة.