في ندوة عقدتها جامعة "سينس بو" حول "الربيع العربي" وكان من ضمنها محور دول الخليج العربي، وما إذا ما كانت معرّضة لذلك الربيع أم أن مستوى التنمية فيها كفيل بالحفاظ على الاستقرار والنظام. وكانت الرؤى تختلف بين باحث وآخر، لكن ثمة اتفاقاً على أن التغير في المنطقة العربية تعطل ومر بمراحل مؤلمة حيث جاء التحرير والاستقلال من الاستعمار ووصلت أنظمة تطلق على نفسها وطنية وقومية وجاءت بأيديولوجيا خليطة، وتعطلت التنمية، ورجع الاستبداد مرة أخرى تحت راية التحرر والمعركة مع الآخر المتجسد في الغرب المستعمر، ومن ثم تراجعت النظم القومية بكافة أشكالها مع الهزيمة الكبيرة في عام 1967، ولاح بعدها صعود التيارات الإسلامية السياسية لتتولى الشارع العربي المحبط، فظهرت الراديكالية الدينية في حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي، وبتعاون أميركي عربي، وسقطت الشيوعية وجدار برلين وتغيرت خريطة أوروبا الشرقية وعادت غربيةً ضمن الدائرة الرأسمالية. وبهجوم "القاعدة" على برج التجارة العالمية، هاج العالم الغربي وقرر مواجهة الراديكالية الدينية بعنف، وكان ضمن أجندة الإصلاح السياسي في المنطقة العربية، فتغير العراق بدخول أميركا وانتهت أسطورة صدام حسين على أمل أن تفتح نافذة التغير في الإقليم الخليجي بتحول ديمقراطي، إلا أن الديمقراطية العراقية ولدت مشوهةً وانقسم العراق إلى طوائف سياسية، وترسخ الانقسام المذهبي والعشائري، واختل ميزان القوة في الإقليم الخليجي وصعدت إيران نتيجةً للفراغ السياسي في غياب عراق صدّام، وأصيبت المنطقة بخيبة أمل من الديمقراطية العراقية، وتشوهت الديمقراطية الكويتية حيث زادت حدة الانقسام الطائفي والعشائري وفرغت الديمقراطية من محتواها وأصيبت بعلل قاتلة. ولعل المشهد الكويتي أكبر تأكيد لحالة العسر السياسي. ودون توقعات، سواء غربية أو عربية، اشتعلت تونس وطار بن على بسرعة البرق، ليلحق به مبارك ثم القذافي، ولتشتعل سوريا التي مازال نظامها يقاوم التغير، إلا أن المؤشرات تؤكد قرب انقلاعه ليلحق بمن سبقه. وفى هذا السياق، يعتلي الحكم في مصر وتونس الإسلام السياسي الممثل بحركة "الإخوان المسلمين"، ويبارك الغرب النظم الجديدة، ويأتي التغير ضمن رؤية أميركية، حيث يتولى مركز الفكر الأميركي "راند" تغيير نظام التعليم في قطر، ويقدم رؤيته حول الإصلاح السياسي في المنطقة العربية ضمن المتغير الإسلامي الذي لا يمكن تجاهله، على أمل أن يتحقق النموذج التركي في المنطقة العربية. وفي ظل هذا الصراع والمخاض العسير، هل تبقى المنطقة الخليجية بعيدة عن التغير؟ وهل فعلاً المال النفطي يكفل للإقليم الخليجي تجنب موجات التغير؟ هناك ما يشبه اللامبالاة في الحالة الخليجية، حيث مازال الاستثناء سيد الموقف، على اعتبار أن المنطقة لها خصوصيتها وأن محرك "الربيع العربي" كان الفقر، بينما الحقائق تؤكد تعقد عوامل التغير، وبالتالي لا ينبغي أن يسطو على تفكرينا التسطيح في فهم الظواهر، لاسيما أن الراديكالية الدينية كانت بفعل الذهب الأسود وأن المال النفطي لعب الدور في تربيتها ونموها، وبالتالي علينا أن نضاعف التفكير ونقترب من الواقع ونفهم أبعاده وأهدافه.