عندما تُبطل السياسة وأهدافها مضمونَ وأسس الهندسة، يدل ذلك على ضعف وتضارب التحالفات والتنسيق بين الدول، والتي تكون موجهة نحو قضية/قضايا. وهنا نقصد اللجنة الرباعية، التي تتكون من تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية إلى جانب مصر. وكان هدفها المعلن الضغط على النظام السوري والمعارضة من خلال العلاقات الوثيقة بين كل من "أنقرة والمعارضة" وطهران والنظام السوري، لتقديم تنازلات من جانبهم من أجل الوصول إلى حل للأزمة، في حين تقوم كل من مصر والسعودية بدور الوسيط بين الجانبين والمراقب. ورغم القول بأهمية هذه اللجنة من أن دولها ذات مساحة وعدد سكان وقوة سياسية وعسكرية، إلا أن ليس هناك أصلاً مربع فعال، ففي الهندسة الرياضية المربع هو مضلع منتظم يتكون من أربعة أضلاع متساوية في الطول ومتعامدة تشكل أربع زوايا قائمة، أما في مربع اللجنة الرباعية، فالأضلاع غير متصلة، ولا تستطيع تشكيل مربع لاختلاف هذه الدول حول أهدافها السياسية والأمنية. وتقويض دور اللجنة لا يتيح مجالاً للجدل، فمصر ربما أخطأت أو بالأحرى مجذوبة نحو نظام الملالي في إيران، حيث ترى القاهرة أن مشاركة إيران في اللجنة "رغم أنها جزء من الأزمة السورية" يأتي عبر إتاحة الإمكانية بأن تلعب إيران دوراً في حل الأزمة. أي أن القاهرة تريد تمرير الكرة إلى إيران لتدفعها لإحراز هدف في إنهاء الأزمة السورية، لكي يتبقى للنظام الإيراني سمعة جيدة يحملها في المنطقة، أو ربما ذلك مرتبط برسم تحالفات "إخوانية" ملالية. ففي أول اجتماع وزاري للجنة الرباعية 17 سبتمبر الماضي بالقاهرة، أتى الغياب السعودي ليتحدث عن ضعف هذه اللجنة. فالرياض التي لم تحضر، أيضاً لم تسع لتقويض هذه اللجنة منذ البداية لسببين، الأول كون الفكرة تهدف لرفع المعاناة عن الشعب السوري وإنهاء حكم نظام "البعث"، أما الهدف الثاني، فيعود إلى أن السعودية لا تريد أن تقف ضد القاهرة في أول تحرك سياسي إقليمي فالمبادرة تعود إلى أول رئيس مصري منتخب. كما أن الرياض طرف قوي في اللجنة، ولكن اليوم أصبحت غير منخرطة فيها، لأن هناك اختلافاً كبيراً في الرؤى السياسية بين القاهرة والرياض، حيث إن المملكة تتهم إيران بأنها جزء من هذه الأزمة ومسؤولة بصورة مباشرة عن إزهاق أرواح الشعب السوري، في حين ترى مصر أن مشاركة إيران جزء من حل الأزمة. كما أن من المنطق أن يدرك الساسة السعوديون بأن القاهرة تريد من طهران دوراً وتفاعلاً جديداً في المنطقة لكون نظامها إسلامياً ملالياً. وقد أبلغت السعودية وأطراف عربية أخرى مصر بأن مشاركة إيران في المبادرة يؤدي بهذه الجهود إلى نهايات غير سعيدة. وماذا تعني النهايات غير السعيدة؟ ربما تعني استنساخ أو بقاء نظام الأسد والنفوذ الإيراني في دمشق وبيروت، كما قد تعني المزيد من الدماء مع طول فترة الصراع الدموي بين المعارضة الشعبية والنظام "حرب أهلية". إذا كان من المنطق السياسي مشاركة إيران كطرف مهم في الأزمة السورية، إلا أن طهران لن تقدم طريقاً إلى حل حقيقي في إيجاد عملية سياسية تغير النظام الحالي. فالخبرة التاريخية تكشف طول العلاقة مع نظام" البعث" السوري أيام حرب الخليج الأولى "حرب العراق وإيران" حيث كانت دمشق مع طهران، وجديد ما تعكسهُ العلاقة التاريخية في مرآة الوضع الراهن المشاركة الإيرانية بقوات الحرس الثوري مع نظام الأسد ضد الشعب السوري. ويبلغ تمسك طهران بنظام الأسد هاجس تغير نظام الأسد لنظام معاكس للأهداف الإيرانية في المنطقة الذي سوف يقود إلى إخراج سوريا ولبنان من نفوذ الملالي، والذي بدورهِ سيقود أيضاً إلى انحسار "النظام الإيراني" داخلياً في دائرة أحوال وأوضاع الشعب الإيراني مع العقوبات الاقتصادية والتي سوف تجعلهُ في مواجهة جديدة مع صفوف معارضي سياساته وتوجهاته. وإلى تركيا "المعنية بالمعارضة" فأنقرة ترى الحل بأنه يجب أن يكون في إطار إقليمي بينما طهران تصر على أن يكون الحل من داخل سوريا. وكأن طهران تريد أن تبقى لاعباً إقليمياً مهماً في المنطقة عبر نفوذها مع نظام "البعث" السوري و"حزب الله" و"حماس"، ودولياً مع موسكو عبر رؤية التغيّر من الداخل، والتي تعتقد طهران بأنها ستكون هي أحد الأطراف المسيطرة في عملية تغيّر نظام الأسد أو إبقائهِ عبر استنساخ، وكأنما أنقرة تريد دوراً إقليمياً تجاه الوضع السوري لكن مقيده بأغلال واشنطن، والتي لم تتخذ سياسة تحالفية إقليمية لإسقاط الأسد يكون دور الأسد فيها لتركيا. وذلك ربما لأجواء الانتخابات مع وجود أسباب أخرى كالتعليل بأن تل أبيب لا تريد تغيير النظام "البعثي"، وذلك لدواعي الأمن الإسرائيلي. ولكن تحليلاً ينتقض تحليلاً، فسقوط نظام الأسد يعد ضربة موجعه لطهران وحزب الله وحماس أي أن تل أبيب ستستفيد منه. ومن المنطق الميل إلى أن عدم توافر الدعم الأميركي لتركيا يعود إلى الانتخابات الأميركية، وأيضاً عدم رغبة تل أبيب في إعطاء أنقرة دوراً كبيراً في ذلك، خصوصاً أن هناك مخاوف غربية من بروز تركيا في المنطقة، والذي حسب نظرة الغرب يساعد على دفع المخطط الإسلامي لأردوغان. كما أن أنقرة ربما تنسحب كالرياض في ظل ما شهدتهُ من ضربات عسكرية من سوريا قد أدت إلى قصف تركي لسوريا حيث يزداد التحفظ التركي على دور إيران في مساعدة النظام السوري. من الواضح جداً أن هذه اللجنة الرباعية لا تستطيع تشكيل مربع فعال لاحتواء الوضع الراهن السوري، وربما قد وضحت هذه المقالة بأن مبادرة الرئيس المصري أسفرت عن مبارزات سياسية بين الأطراف نفسها.