في شرق وغرب الولايات المتحدة، وفي حواري وأزقة كراتشي بباكستان، يتعرض المخ البشري لهجوم شرس من مجموعة متنوعة من الجراثيم والميكروبات، حيث أعلن مركز التحكم في الأمراض الأميركي يوم أمس عن وفاة خمسة عشر شخصاً، آخرهم كان في ولاية إنديانا، بسبب إصابتهم بالتهاب الأغشية المغلفة للمخ والجهاز العصبي، المعروف بالتهاب السحايا، نتيجة العدوى بنوع من الفطريات، انتقل إليهم من عقار طبي ملوث يستخدم في علاج آلام الظهر. وهذا العقار الملوث هو أحد أنواع "السترويدات"، وقد جرى تصنيعه في إحدى شركات الأدوية الموجودة في ولاية "ماساشوسيتس" بالشمال الشرقي للولايات المتحدة، وتم توزيعه على 76 عيادة ومركزاً طبياً في جميع أنحاء أميركا، وتسبب حتى الآن في إصابة حوالي 200 شخص بالتهاب السحايا الفطري، ووفاة 15 منهم في 13 ولاية، هي ولايات تنيسي، وميتشجان، وفيرجينيا، وإنديانا، وفلوريدا، وميريلاند، ومينوسوتا، وكارولينا الشمالية، ونيوجيرسي، وأوهايو، وإلينوي، وايداهو، وتكساس. وعلى رغم أن هذا النوع من التهاب السحايا غير مُعدٍ، أي أنه لا يمكن أن ينتقل من شخص إلى آخر بشكل مباشر، إلا أنه يتوقع أن يرتفع عدد الضحايا والوفيات خلال الأيام القادمة، في ظل حقيقة أن الشركة المصنعة قامت بين شهري يوليو وسبتمبر الماضيين، بتوزيع أكثر من 17 ألف عبوة على العيادات والمراكز الطبية. وليس من الواضح ما إذا كانت الشركة قد صدَّرت هذا العقار إلى خارج الولايات المتحدة، أم لا، وبالتحديد إلى دول منطقة الشرق الأوسط. وخلال الفترة نفسها تناقلت وسائل الإعلام خبر إعلان مسؤولي الصحة العامة بمدينة كراتشي الباكستانية عن وفاة عشرة أشخاص، تسعة رجال وطفل واحد يبلغ الرابعة من العمر، نتيجة إصابتهم بنوع من الأميبا (طفيلي وحيد الخلية)، يذيب ويلتهم خلايا المخ. ويُعتقد أن عدد حالات الإصابة والوفيات، ربما يكون أكبر من ذلك بكثير، ولكن في ظل ندرة حدوث مثل هذه العدوى، لم يلاحظ الأطباء العلاقة سابقاً، ولم ينجحوا في تشخيص جميع الحالات. وبناء على أن العدوى بهذا النوع من الأميبا، تحدث غالباً أثناء السباحة في البرك والبحيرات الدافئة الملوثة، وبالنظر إلى أن جميع الضحايا ما عدا واحد فقط، لم يمارسوا السباحة بالمرة في برك ملوثة أو غير ملوثة، يعتقد الأطباء أن العدوى قد انتقلت أثناء استخدام مياه ملوثة لتنظيف الأنف، أثناء الوضوء مثلاً، حيث يمكن لهذا الطفيلي إذا ما دخل إلى أماكن عميقة في الأنف، أن يستخدم المجاري الأنفية العليا للوصول للمخ، حيث يلتهم الأنسجة العصبية، ويسبب الوفاة خلال أسبوع. ولذا قام مسؤولو الصحة بإطلاق حملات توعية، تدعو لعدم اللجوء لتنظيف الأنف بشكل عميق، والاعتماد في شؤون النظافة الشخصية على مياه تم غليها لفترة كافية، أو تمت إضافة مادة الكلور إليها بكميات مناسبة، مع ضرورة تنظيف خزانات المياه بشكل دوري، حيث تعتبر تلك الخزانات مرتعاً مثالياً لتكاثر الأميبا. وفي ذات الوقت قامت الجهات الصحية بمضاعفة كميات الكلور التي تضاف بشكل روتيني لمياه الشرب، وتنبيه العاملين في المجال الصحي إلى مراقبة ظهور العلامات والأعراض الأولية لهذا المرض. مثل التهاب السحايا الفطري الذي يعاني منه حالياً عدد من الولايات الأميركية، لا يمكن أن تنتقل عدوى المخ بالأميبا من شخص إلى آخر بشكل مباشر، وإنما يقع فقط عبر المياه الملوثة. والسحايا تلك، هي ثلاث طبقات من الأغشية تغلف الجهاز العصبي المركزي، المكون من المخ والحبل الشوكي. وبسبب قرب وتلاصق هذه الأغشية مع المخ والحبل الشوكي، يؤدي التهابها إلى مضاعفات خطيرة، مثل التلف الشديد في القدرات الحركية، أو في القدرات العقلية، والوفاة في الكثير من الأحوال. وتتعرض هذه الأغشية للالتهاب من جراء أسباب عديدة، مثل الإصابات الخارجية، وبعض العقاقير الطبية، وإن كانت العدوى بالجراثيم مثل الفيروسات والبكتيريا والفطريات هي أكثر تلك الأسباب شيوعاً. ومن بين الأسباب الجرثومية تلك، تعتبر العدوى البكتيرية هي أخطرها على الإطلاق، بسبب شدة مضاعفاتها، وخصوصاً وجود نوع محدد من البكتيريا (Neisseria meningitides)، لقدرته على التسبب في أوبئة واسعة النطاق من الحمى الشوكية البكتيرية. وعلى عكس التهاب السحايا الفطري في الولايات المتحدة، أو التهام المخ من قبل الأميبا في باكستان، تنتقل العدوى بالبكتيريا المسببة لالتهاب السحايا البكتيري، عن طريق الإفرازات والرذاذ التنفسي، من خلال العطاس أو الكحة أو مشاركة أدوات الطعام والشراب. وغالباً ما يتم هذا الانتقال بين الأشخاص الذين يقضون فترة طويلة من يومهم في أماكن مغلقة ومزدحمة، كما هو الحال مع طلاب المدارس والجامعات، وبين المجندين العسكريين. وتتراوح فترة الحضانة، أو الفترة بين حدوث العدوى وظهور المرض، ما بين يومين إلى عشرة أيام، مع متوسط أربعة أيام في الغالب. وتبلغ خطورة هذا المرض، أنه حتى إذا ما تم التشخيص مبكراً، وبُدئ بالعلاج المناسب في المراحل الأولى من المرض، يلقى ما بين خمسة إلى عشرة في المئة من المصابين حتفهم، خلال يوم أو يومين فقط من ظهور الأعراض. وهذه الحقيقة المفزعة توضح بشكل جلي مدى خطورة الحمى الشوكية البكتيرية، وتؤكد على أهمية التطعيم كأفضل وسيلة للوقاية من الإصابة بالمرض، ولتجنب تبعاته الجس