في كلمة افتتاح جامع الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الدوحة 15 ديسمبر 2011، أكد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أن قطر ستسعى إلى دعم ونشر الدعوة الوهابية. وجاء التعبير بـ"الوهابية " تأكيداً على أن المقصود هو الصلة المباشرة بالإمام محمد بن عبدالوهاب أكثر منه وفاء لتعاليمه التي تنسب عادة إلى منهج السلف الصالح، الذين تشكل عقائدهم جوهر مذهب أهل السنة والجماعة. نمط التدين الذي يشكل السمة الغالبة للمجتمع القطري، هو توليفة من (السلفية الوهابية/ التبليغ والدعوة/ وفكر الإخوان المسلمين)، فدولة قطر كانت من أوائل الدول العربية التي فتحت أبوابها لجماعة التبليغ والدعوة، وتحولت قطر إلى مركز إقليمي للجماعة، حيث تأثر بها واعتنق تعاليمها الكثير من القطريين، وفيهم مسؤولون ووزراء، واستطاعت هذه الجماعة أن تتنامى وتجد لها متنفساً بعيداً عن سطوة الوهابية السعودية، واستطاعت أن تنشط بجوار الوهابية القطرية، وتنسجم مع الوجود الخامد لـ"الإخوان المسلمين" منذ البدايات. يمكننا القول إن هذا المزيج ساهم في تجنيب قطر الوهابية حالة شبيهة بالثوران والصدام الذي عاشته السعودية إبان فترة الصحوة الإسلامية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، فلم تشهد قطر معارضة تستحق الذكر من خارج البيت الحاكم، ولم تسمح البيئة بتفعيل سلفية شرسة تنعكس على الاستقرار السياسي، أو تقدم وجهة نظر معارضة معلنة للسياسة التي انتهجها الشيخ حمد منذ وصوله إلى سدة الحكم، حيث تعيش قطر بعد الشيخ حمد أعظم تحول في تاريخها. من الملفت أن القطريين عمدوا في السنوات الأخيرة إلى أسلوب شديد المضاهاة للسعوديين، بإبراز المنزلة الكبيرة للشيخ قاسم بن محمد مؤسس دولة قطر (1878-1913)، والتأكيد على وصفه بالمؤسس، والحفر في وثائق التاريخ لتعزيز هذا التطلع. ورغم الجهود الجبارة التي جعلت منها عاصمة للإسلام السياسي وبؤرة لـ"الإخوان المسلمين" ومركز استقطاب لهم، إلا أنه لم يصدر أي تصريح رسمي لأي من مسؤوليها يوحي بأنهم يتبنون فكر "الإخوان المسلمين". الوهابية الناعمة المنزوعة الدسم، هي الخيار الوحيد لقطر، التي حافظت عليه منذ مئة عام أو تزيد، مع الأخذ في الاعتبار التطورات التي طرأت على المجتمع القطري، شأن أشقائه في دول الخليج اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وإعلامياً، ويبقى لـ"الإخوان المسلمين" الذين استقبلتهم قطر منذ الخمسينيات الميلادية بصمة واضحة في المشهد الحالي القطري، مكملاً لأطياف الصورة التي ترسم المشهد الديني والإسلامي الحركي الذي يمثل ذراعاً تعتمدها الدولة في بناء نفوذها وتغلغل قوتها الناعمة إقليمياً ودولياً. نجحت قطر في أن تحافظ على حصر السلفية في مجالات محددة مثل المساجد ووزارة الشؤون الإسلامية، ولم تسمح لسلفييها بأن يكونوا ناشطين على الساحة القطرية أسوة بنظرائهم في الكويت أو البحرين. فالمشهد الديني في قطر لا يمكنه أن ينافس حضور العائلة الحاكمة، وقطر باستثناء القرضاوي الذي يمثل الخارج أكثر من الداخل، تخلو من رجال دين ناشطين فاعلين ومثيرين للجدل. فقطر اليوم بدون رموز إسلاميين أقوياء. ويبدو أنه من المستبعد أن يكون القطريون بدمائهم الشابة الساخنة، قلقين من أن ينقلب عليهم الوحش الذي رعوه (الإخوان المسلمون في الداخل والخارج)، فليس مؤكداً أنهم يجدون في الوهابية/ الحنبلية التعويذة التي تحميهم، وتمنحهم الشرعية الدينية والسياسية. وعلى حد تعبير مقالة عبد الستار قاسم التي نشرها موقع الجزيرة نت، فقطر تحمل تطلعات لم تفصح بعد عنها. منصور النقيدان