شهدت مدن الضفة الغربية الشهر الماضي موجة من الاحتجاجات والمظاهرات العارمة، عمّت معظم مدن الضفة، وسرعان ما تصاعدت في بعضها إلى تخريب للممتلكات العامة وأعمال فوضى، بينما حافظت في البعض الآخر على الهدوء واحترام القانون. وقد حملت هذه الاحتجاجات هذه المرة طابعاً مختلفاً تشاركت فيه جميعها، هو السياسات الاقتصادية لرئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، التي جرى التركيز عليها، خصوصاً بعد الغلاء الذي شهدته المواد الاستهلاكية مثل الوقود والطحين. أبرزت هذه التظاهرات تساؤلاً حول ما إذا كانت السلطة الفلسطينية لا تزال قادرة على قيادة الشعب الفلسطيني. من الواضح أن السلطة الفلسطينية وصلت نقطة تحتاج فيها لأن تعيد التفكير بالاستراتيجية التي استخدمتها حتى الآن، إذا أرادت البقاء والعمل بفاعلية. لقد مضت 19 سنة منذ معاهدة أوسلو التي وقّعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل عام 1993، والتي وضعت شروط الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. رغم ذلك، لا نملك نحن الفلسطينيين دولتنا المستقلة، وربما حان الوقت لأن تفكّر السلطة الفلسطينية بالتخلي عن هذه الاتفاقيات واستبدالها بسياسة رسمية من اللاعنف ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة. تشكل الاحتجاجات والمظاهرات الأخيرة في الضفة الغربية فرصة للسلطة الفلسطينية لإعادة بناء مصداقيتها المتداعية مع الشعب الفلسطيني. وقد تجلّت هذه المصداقية المتداعية بشكل كامل في نابلس والخليل حيث طالب المتظاهرون وبشكل عدائي باستقالة عباس ورئيس وزرائه، وتفكيك السلطة الفلسطينية بشكل كامل، بينما نادى المتظاهرون اللاعنفيون في رام الله بتغيير كامل في اقتصاد السلطة الفلسطينية وسياساتها. شاركْتُ في مظاهرة سلمية دعا إليها برلمان شباب فلسطين برام الله. كانت رسالتنا السياسية معقدة، حيث لم يلقِ أعضاء برلمان الشباب باللوم بشكل كامل على السلطة الفلسطينية بسبب المشاكل الاقتصادية القائمة، وإنما على الاحتلال الإسرائيلي كذلك. نادى المتظاهرون بإلغاء معاهدة أوسلو وبشكل خاص بروتوكول باريس، الذي وضع شروط وبنود العلاقة الاقتصادية الحالية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وقد أعطى البروتوكول، الذي نشر كملحق لمعاهدات أوسلو إسرائيل سيطرة على تجارة فلسطين وكذلك على عملية استيفاء الضرائب. ما زال الفلسطينيون اليوم يعيشون تحت الاحتلال، ومستمرين في الاعتماد على دعم الدول المانحة في الغرب وعدد من الدول العربية لدفع الرواتب الشهرية. يمكن لقرار من جانب الدول المانحة لتخفيض أو وقف التبرعات أن يتسبب بانهيار الاقتصاد الفلسطيني. جرى من حيث الجوهر تحجيم السلطة الفلسطينية لتصبح آلية لوضع رواتب موظفيها وإدارة الخدمات الرئيسية في المدن الفلسطينية الواقعة تحت سيطرتها. ليس هذا هو المستقبل العظيم الذي تصورناه عندما دعمنا إنشاء السلطة الفلسطينية قبل 20 عاماً. لم يكن من الضرورة أن تكون هذه نتيجة سنوات من الجهود لبناء مؤسسات الدولة. تقف السلطة الفلسطينية اليوم عند تقاطع طرق، فإما أن تعترف بفشلها في تحقيق الاستقلال بناء على حل الدولتين مع إسرائيل ويجري تفكيكها أو تعمل على تغيير تفكيرها واستراتيجيتها. ويتوجب عليها الاستمرار في متابعة مشروع بناء الدولة الذي بدأته عام 2006، ولكن في الوقت نفسه أن تقود مقاومة لاعنفية ضد الاحتلال كسياسة رسمية. كانت الحركة اللاعنفية في فلسطين حتى اليوم مشتتة بطبيعتها، فهي أحياناً حملة من الأعلى إلى الأسفل، وأحياناً أخرى انتفاضة على مستوى الجذور. لقد حان الوقت لأن تتبنى السلطة الفلسطينية الكفاح اللاعنفي كوسيلة رسمية للضغط على إسرائيل لتوافق على حل الدولتين بناء على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. على سبيل المثال تستطيع السلطة الفلسطينية بمساعدة منظمة التحرير الفلسطينية أن تنظّم عصياناً مدنياً جماهيرياً ضد الاحتلال الإسرائيلي. بوجود مليون موظف لديها، لن تجد السلطة الفلسطينية صعوبة في تحقيق مشاركة جماهيرية في هذا العصيان. ------ داود أبولبدة باحث فلسطيني ------ ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"