كان لتحذير الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية بدولة الإمارات الأسبوع الماضي من خطر "الإخوان المسلمين" وعدم إيمانهم بالدولة الوطنية ومحاولات اختراقهم لسيادة الدول أصداء ترددت في دول المنطقة لأهمية ومستوى صاحب التحذير، ولكونه جاء مباشراً وصريحاً بالتحذير من تنظيم ديني- سياسي استولى على السلطة بمصر أكبر الدول العربية وبتونس وليبيا (إلى حد ما) والسودان في عهد تحالف البشير- الترابي. وكان ولي عهد السعودية الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز قد حذر من "الإخوان المسلمين" حين كان وزيراً للداخلية في لقاء صحفي قال عنهم فيه إنهم "أصل البلاء". أتفق مع رأيي المسؤولين الخليجيين بمعارضة "الإخوان المسلمين"، وهو رأي يعود لطفولتي وتربيتي الناصرية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، صحيح أن رأيي ليس موضوعياً دوماً لأنني بشر، ولكنه رأي مبدئي من مسألة الدين السياسي بكافة أشكاله وتوجهاته: فـ"الإخوان المسلمون" تنظيم سياسي يستغل الدين لتحقيق مآرب سياسية، مثله في ذلك مثل أي تنظيم سياسي ديني آخر من الصهيونية التي ترجمت الديانة اليهودية حسب مشروعها الاستيطاني التوسعي وحولت تعاليمها إلى سمسار عقار يهب "أرضاً للميعاد"، إلى الصهيونية المسيحية Judeo-Christian التي تبرر الدعم اللامحدود لإسرائيل بتفاسير توراتية وإنجيلية دينية. مروراً بالشيعية السياسية التي ترجمت المذهب الشيعي في ضوء نظرية ولاية الفقيه لتبرير هيمنة رجال الدين ولتسويق سياسة إيران الخارجية في الهيمنة والتوسع، وكذلك السلفية السنية التي تفسر الدين من منظور ضيق يخدم مصالحها ومصالح من يؤيدها ويدعمها من حكومات وجماعات. ولكن كيف لدول وحكومات الخليج أن تتصدى للدين السياسي بكافة أشكاله؟ وكيف لها أن تحصن دولها من خطر استغلال الدين لأهداف سياسية؟ هناك إجراءان على الحكومات الخليجية اتخاذهما بحسم وبالقانون وبشفافية: 1- تحرير واستعادة بيوت العبادة من الأحزاب السياسية بمبدأ أن "المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً". فلقد تحولت أماكن العبادة إلى مكائن تفريخ لكوادر هذه الأحزاب ومنبع لاستدراج الشباب وحزبنتهم في تنظيماتها. 2- شفافية ومعرفة -وفق القانون- للتبرعات المالية الهائلة التي تجمعها التنظيمات السياسية الدينية جميعها دون استثناء، والتي ترفض أن تخضعها للرقابة القانونية، ففي الكويت مثلاً أتحدى أن يعلن أي من التنظيمات السياسية الدينية بشقيه السني والشيعي -ليس كيف ولمن أعطى تبرعاته- ولكن فقط كم جمع وكم صرف وحسب. وأتحدى أن يعلن أي مسؤول كويتي أنه علم بما جمعته أي جمعية دينية- سياسية ناهيك عن أوجه الصرف لها على الرغم من تصريحات رسمية خائفة ومبهمة بين فترة وأخرى تشيد بهذه الجمعيات وأعمالها. وأعتقد أن الشيء نفسه ينسحب على باقي دول الخليج. إن معرفة المبالغ التي تجمعها هذه التنظيمات وأوجه صرفها ونسبة ما يخصص لـ"القائمين عليها" سيجفف الضرع الحلوب لتلك التنظيمات التي تجمع الأموال القارونية باسم "عمل الخير" وبشعارات دينية. وبهذين الإجراءين لن تقوم لجماعات الدين السياسي قائمة. ولكن المسألة الأهم في سحب البساط من تحت هذه التنظيمات الدينية السياسية في الخليج، هي في مصادرة أوراقها التي تلعب بها في دغدغة مشاعر الناس، فهم في هذه الأيام يرفعون شعارات مدنية تطالب بالحريات ومحاربة الفساد وسيادة القانون والمساواة وحفظ الثروات القومية، وهي مطالب تجد صداها لدى العامة والبسطاء، ولذا فعلى حكومات الخليج العمل على تعزيز الحريات والمشاركة الشعبية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان ومحاربة الفساد وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء. فمن شأن تعزيز هذه المبادئ الأساسية في الحكم -أي حكم- أن يسحب البساط من تحت قوى "الإخوان المسلمين" وغيرهم ممن يحاولون استغلال الدين للوصول للسلطة ومحاولة اختراق السيادة الوطنية للدول كما وصف ذلك بصدق الشيخ عبدالله بن زايد بتصريحه.