خلال الأسبوعين الماضيين، أظهر رئيس الوزراء الهندي "مان موهان سنج"عزماً وتصميماً على دفع أجندة الإصلاح في البلاد قدماً، واستعادة شهرته كأكبر مصلح في الهند. فالرجل على الرغم من أي شيء هو الذي قاد حملة التحرر الاقتصادي في تسعينيات القرن المنصرم، والتي وضعت البلاد على مسار تحقيق معدلات نمو مرتفعة. وعلى الرغم من أن "سنج" ما زال أمامه مسافة يتعين عليه قطعها، قبل أن يستعيد لقب المصلح الأكبر مرة أخرى، فالأمر المؤكد أنه يبذل قصارى جهده في هذا الاتجاه. فبعد شهر من إجراء إصلاحات مدوية، كشف "سنج" ومجلسه النقاب عن طائفة جديدة من الإصلاحات هذا الأسبوع، حيث قرر المجلس فتح باب قطاع المعاشات للمستثمرين الخارجيين لأول مرة في تاريخ الهند، كما رفع الحد الأقصى للاستثمارات الهندية في قطاع التأمين من 26 في المئة من مجموع الشركات العاملة في هذا القطاع إلى 49 في المئة. وهذان القراران اللذان يندرجان في إطار طائفة من القرارات الأخرى ينطويان على قدر كبير من الأهمية لأنهما يهدفان في المقام الأول لفتح آفاق الاقتصاد، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية لتنشيط الاقتصاد الراكد ورفع نسبة النمو الآخذة في الانخفاض. والقرارات الأخيرة التي اتخذها "سنج" تتطلب الآن موافقة البرلمان، وهو أمر لن يتم بسهولة خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن حزب "المؤتمر" الحاكم لا يمتلك الأعداد الكافية من النواب في غرفتي البرلمان. إذن ما هو السبب الذي دفع الائتلاف الحكومي الذي يقوده حزب "المؤتمر" بتقديم تلك الإصلاحات في المقام الأول؟ هل يرجع ذلك لأن الحزب رأى أن تلك الإصلاحات مسألة حياة أو موت بالنسبة له، لأن "سنج" لم يكن قادراً على إنجاز أي إصلاحات جديدة خلال فترة ولايته الثانية بسبب بعض الأحزاب المثيرة للمشكلات المنضمة للائتلاف الذي يقوده مثل حزب(تيرينا مول)، الذي عرقل تقريباً كل شيء كان مدرجاً على أجندة الحزب الإصلاحية. والمتاعب التي عانى منها الحزب من شركاء الائتلاف مقرونة بطائفة من قضايا الفساد ضربت مصداقية الحزب وثقة الحكومة في آن. فقد تعرضت الحكومة لانتقادات باعتبار أنها المسؤولة عن الشلل السياسي في البلاد وتوقف النمو الاقتصادي، وارتفاع التضخم. ولكن حزب "المؤتمر"، في الشهور الأخيرة، تخلى عن تردده في تبني الإصلاحات مدركاً تماماً أنها ستؤدي لخروج حليفه الرئيس(تيرنا مول) من الائتلاف. وهذا ما حدث بالفعل. فمنذ ثلاثة أسابيع سحب (مامتا بينارجي) رئيس حزب(تيرنا مول) الدعم الذي كان يجب أن يقدمه حزبه للقرار القاضي بالسماح لسلاسل محال السوبرماركت الكبيرة بالعمل في قطاع التجزئة الهندي، وكذلك للقرار الخاص برفع أسعار الديزل. وفي حين أن خروج الحزب المذكور، لم يؤد لإسقاط الحكومة، إلا أنه جعل الائتلاف الذي يقوده المؤتمر أكثر انكشافاً مما كان عليه(لحد ما). ومن الواضح أن "سنج" ليس على استعداد للتخلي عن الزخم الذي نجح في توليده من خلال مجموعة القرارات الأولى التي اتخذها. ومن المؤكد في هذا السياق أن المؤسسات الهندية، بل وحتى الأسواق تتفق معه في ذلك. ففي ذات اليوم الذي تبنى فيه مجلس الوزراء الدفعة الثانية من الإصلاحات، ارتفع مؤشر سوق الأوراق المالية الهندي إلى أعلى مستوى كان قد وصل إليه في يوليو 2011. كما تعزز سعر صرف الروبية الهندية مقابل الدولار إلى أعلى مستوى له خلال خمسة أشهر. ويمكن القول إن المعركة في الحقل السياسي الهندي الداخلي قد تحولت إلى البرلمان الذي يتوقع أن يبدأ دورته الشتوية خلال الشهور القادمة. من المتوقع كذلك أن تواجه الحكومة الهندية بعض المتاعب من قبل الأحزاب الأصغر مثل حزب(دي.إم. كيه) الذي ظل يعرض حملة الإصلاحات برمتها. ومع أن هذا الحزب- إذا ما أخذنا في الاعتبار عوامل سياسية معينة- ليس من المرجح أن يقطع علاقاته مع المؤتمر، إلا أن المؤكد أنه غير مرتاح على الإطلاق لحملة الإصلاحات الجديدة التي تقوم بها الحكومة، وكان صريحاً للغاية في التعبير عن هذه النقطة. أما أحزاب المعارضة الرئيسية بما في ذلك حزب(بهاراتيا جاناتا) والأحزاب اليسارية فقد هاجمت حملة الإصلاحات الحكومية برمتها. أما الأحزاب الأخرى مثل حزب(سماج وادي) الذي يساند الحكومة من الخارج (ليس عضواً في الائتلاف الحاكم)، فمن المعروف أنه معارض لإصلاحات المعاشات والتأمين. وقد قرر حزب "المؤتمر”- كما فهمنا من بعض المصادر- المضي قدماً على طريق الإصلاح ووضع ثقله بالكامل خلف رئيس الوزراء الهندي في وجه المعارضة السياسية القوية التي يلقاها. ويريد الحزب التوجه للناخبين في الانتخابات العامة عام 2014، أو ربما قبل ذلك، برسالة مؤداها أنه قد بذل قصارى جهدة في الدفع بحزمة الإصلاحات من أجل الصالح العام للبلاد، ولكن جهده هذا قوبل بالعرقلة ومحاولات الإيقاف من قبل الأحزاب السياسية الأخرى. وعلى الرغم من أنه يتعين الانتظار لمعرفة النتيجة النهائية لتلك الجهود، فإن الأمر الذي لا شك فيه أن جميع الأحزاب تقوم في الوقت الراهن بزيادة وتيرة جهودها من أجل الاستعداد للانتخابات العامة المقرر إجراؤها عام 2014- ولكن التي يمكن أن تتم في أكثر من ذلك بكثير مع ذلك. خلاصة القول، إن حزب "المؤتمر" قد ارتأى أن الوسيلة الوحيدة التي يمكنه من خلالها القيام بمحاولة للعودة للسلطة للمرة الثالثة تتمثل في اتخاذ خطوات ملموسة لإصلاح الاقتصاد، وخفض التضخم، وكبح الارتفاع في أسعار المواد الغذائية. لكل ما تقدم من أسباب، قرر حزب "المؤتمر" في نهاية المطاف، وبصرف النظر عن أي أكلاف سياسية، أن الخيار الوحيد أمامه هو المضي قدماً على طريق الإصلاح، وإظهار أن الحكومة حاسمة في قرارها وستستمر في الدفع باتجاهه. د.ذكر الرحمن مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي