بينما تعود مقولات صراع الحضارات إلى الواجهة مجدداً بسبب أحداث متفرقة تقع هنا وهناك، وتكشف عن كم كبير من التناقض والريبة وسوء الفهم بين الإسلام والغرب، يخرج علينا بعض الكتاب الغربيين بكتب ومقولات تساعد على تأجيج الخلافات بدلاً من السعي لتحقيق الفهم المشترك والاحترام المتبادل. ومن هذه الكتب كتاب "أندور سي مكارثي" المعنون "حمى الربيع... وهم الديمقراطية الإسلامية"، والذي يدّعي في بدايته أن هناك مؤامرة يدبرها المسلمون لتدمير حضارة الغرب والقضاء على الحريات فيه، وإحلال الشريعة الإسلامية محلها عبر التغيير التدريجي من الداخل، أو باللجوء إلى العنف والقتل. ويدّعي الكاتب أن معرفته بخيوط تلك المؤامرة تنبع من كونه أحد المحققين المكلفين بتعقب الإرهابيين المتورطين بتفجير مبنى المركز العالمي للتجارة عام 1993، ويقول إنه حاول من خلال عمله ذلك "أن يجعل شغله الشاغل اكتشاف الأسباب التي دفعت الإسلاميين للقيام بأعمال قتل وتفجير ضد مواطنين أميركيين أبرياء لم يلحقوا بهم أذى". وهو يحاول تجنب الاتهام بالتحيز ضد الإسلام، فيقول إن الخطأ الذي وقع فيه بوش الابن كونه حاول التعامل مع الإرهاب الإسلامي كما لو كان نابعاً من صميم العقيدة الدينية، وليس كحركة تستغل الدين لغرس أفكار تساعدها في فرض الهيمنة على الآخرين. وكانت مقاربة أوباما للمسألة مختلفة عن مقاربة سلفه، كما يرى المؤلف. فأوباما كان حريصاً منذ البداية على إعلان نيته التقارب مع العالم الإسلامي لأنه كان على معرفة بالإسلام اكتسبها من دراسته في مدارس إسلامية بإندونيسيا، حيث عملت والدته لبعض الوقت، كما عاش في بيت واحد مع زوج أمه الإندونيسي، ما أتاح له احتكاكاً مباشراً بالإسلام منذ صباه المبكر. وينتقل الكاتب بعد ذلك لتناول تجربة "حزب العدالة والتنمية" في تركيا، فيقول إن الأخيرة ظلت حصناً من حصون العلمانية بسبب التزامها بتعاليم أتاتورك الذي ألغى الخلافة وأسس الجمهورية التركية العلمانية عام 1924، ما جعل من تركيا صديقاً للغرب وإسرائيل، أما بعد تولى "حزب العدالة والتنمية" الحكم فيها عام 2002، فقد حولت مسارها لتصبح نصيراً للإسلاميين والحركات السنية الساعية للهيمنة والمنخرطة في السعي لتدمير الغرب عبر تخريبه من الداخل. تلك الاستراتيجية الطويلة الأمد، في رأي المؤلف، هي ما دفع أردوجان للترحيب بأوباما وعقد صداقة متينة معه منذ أن اختار الرئيس الأميركي تركيا لتكون أول دولة أجنبية يقوم بزيارتها. ولا يغيب عن ناظري أردوجان أبداً، يقول الكاتب، الهدف الخاص بـ"القضاء على الكفار الغربيين"، وهو نفس الهدف الذي وضعه "حسن البنا"، مؤسس "الإخوان المسلمين" عام 1928، بعد سقوط الخلافة العثمانية وهزيمة تركيا القاسية في الحرب العالمية الأولى. ولا يفوت المؤلف التعليق على الأحداث الجارية في المنطقة العربية، رافضاً تسميتها بـ"الربيع العربي"، مفضلاً تسمية "حمى الربيع" أو "الحمى الربيعية". وهو لا يرى أن النظام الحاكم في مصر الآن يمثل ديمقراطية إسلامية، فطرفا العبارة غير متوائمين كما يقول، علاوة على أن أختيار عضو في مكتب إرشاد "الإخوان" ورئيس حزبها السياسي، لرئاسة أكبر دولة عربية، لن يقود في رأيه إلا إلى ديمقراطية من الدرجة الثالثة تلعب فيها الأحزاب السياسية نفس الدور الذي يلعبه بلطجية الأحياء الذين يفرضون سطوتهم من خلال القوة والغلبة. وعن التهديد الذي يمثله ذلك بالنسبة للولايات المتحدة يرى المؤلف أن الشريعة الإسلامية التي بُدئ فعلياً بتطبيقها في أميركا، وإن على نحو بطيء وخفي، سوف تعني نهاية الحريات والحقوق التي يكفلها الدستور، حيث سيطلب من النساء طاعة أوامر أزواجهن، كما أن توجيه اتهام لشخص باغتصاب امرأة سوف يتطلب إثباته شهادة من أربعة ذكور، أما جرائم مثل الزنا، واللواط، والردة... فستكون عقوبتها الموت. ويرى الكاتب أن النداء الذي وجهه الرئيس المصري بالإفراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن المسجون بتهمة التورط في تفجيرات نيويورك عام 1993، مثّل إهانة بالغة لنظام العدالة الأميركية، وأنه على الأمة الأميركية الحيلولة دون تكرار تلك الإهانة التي لن تتوقف في نظره، لا هي، ولا التهديدات التي يمثلها الإسلام السياسي عامة. سعيد كامل ------- الكتاب: حمى الربيع... وهم الديمقراطية الإسلامية المؤلف: أندرو سي. ماكارثي الناشر: إنكوانتر بوكس تاريخ النشر: 2012