فيما تتجه الأنظار داخل إسرائيل وخارجها إلى البرنامج النووي الإيراني واحتمال توجيه ضربة عسكرية في الربيع أو الصيف القادمين، كما يفهم من كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يخفت الحديث ويتضاءل حول القضية الفلسطينية. ذلك الاهتمام الغائب يفتح المجال أمام قوى إسرائيلية متشددة لمواصلة الاستيطان في الضفة الغربية، مهددةً أي أفق لحل الدولتين. لكن الكتاب الذي نعرضه هنا وعنوانه "قلعة إسرائيل... قصة من الداخل للنخبة العسكرية التي تدير البلد ولماذا لا تستطيع تحقيق السلام؟"، للكاتب والصحفي الأميركي باتريك مايك، يعيد فتح قصة التشدد الإسرائيلي عبر تسليط الأضواء الكاشفة على النخب العسكرية التي يعتبرها العائق الأول أمام بلوغ تسوية مرضية للقضية الفلسطينية. هذا التشدد في الرؤية الإسرائيلية تجاه عملية السلام ليس وليد اللحظة ولا هو نتاج السياسات الحالية لحزب "الليكود" بقيادة نتنياهو، بل يرجع إلى تاريخ إسرائيل منذ سنوات النشأة وما بعدها، حيث يثبت الكاتب أن النخبة العسكرية التي أنتجت حكام إسرائيل، ومن تولوا مناصب عسكرية بعيداً عن السياسة، كانت لهم اليد الطولى في تقرير مصير المنطقة وفي شن الحروب المتتالية. ومع أن الكاتب يلوم الدول العربية لعدم قبولها قرارات الأمم المتحدة، لاسيما قرار التقسيم وحشد الرأي العام العربي ضد إسرائيل، فإنه يضع اللوم بصفة أساسية على الدولة العبرية مؤكداً "النزعة العسكرية داخل المجتمع الإسرائيلي ونخبته الحاكمة التي أضعفت فرص السلام على مر السنين". ويعود الكاتب إلى عام 1982 تاريخ الاجتياح الإسرائيلي للبنان، مؤكداً أن "النزعة العسكرية التي تخترق المجتمع الإسرائيلي دفعت كلا من بيجن وشارون إلى غزو لبنان تجاهلت كل تحذيرات التاريخ التي تقول إن القوة العسكرية لن تكون قادرةً على إعادة ترتيب الوضع السياسي في بلد متنوع ومعقد مثل لبنان... ذلك أن أسس السلام والتعايش مع إسرائيل لا يمكن أن تأتي إلا من خلال تسوية القضية الفلسطينية". ويتابع الكاتب موضحاً عجز رابين بعد توقيع أسلو 1993 عن كبح جماح النزعة العسكرية في التعامل مع الفلسطينيين. وبذلك يؤكد المؤلف الطابع العسكري لدولة إسرائيل، وتغول النخب العسكرية التي تفرض كلمتها في النهاية وتؤثر على القرار السياسي. أما العامل الأهم الذي يفسر تلك النزعة فيرجعه الكاتب إلى اعتقاد راسخ لدى الإسرائيليين بأن القوة العسكرية وحدها قادرة على ضمان أمنهم وردع الجيران العرب، لتتحول الدولة العبرية بمقتضى هذا التصور إلى قلعة محصنة، ليس فقط بالمعنى الحرفي للعبارة الذي تدل عليه الإجراءات الأمنية المشددة والجدار العازل، ولكن أيضاً بالمعنى الرمزي، ليتقوقع تفكير النخب الإسرائيلية فيما يشبه القلعة. وفي هذا السياق يشير الكاتب إلى السلاح النووي المسكوت عنه داخل الدولة العبرية، حيث كان سعي إسرائيل وحكامها إلى القنبلة النووية مبكراً جداً، ما يظهر إيمانها العميق بالقوة كوسيلة لتسوية الخلافات. فالنزعة العسكرية كانت حاضرة منذ البداية، وتمثلت في التوجه المبكر لامتلاك السلاح النووي. وحتى في الحالات القليلة التي برزت فيها أسماء مدنية ضمن النخبة الإسرائيلية حاولت التركيز على الخيار السلمي، فقد واجهت مقاومة شرسة من العسكريين ودعاة التشدد. ومن الأسماء التي يشيد بها الكاتب موشي شاريت الذي تحول على مر السنين إلى سياسي مُحبط، فعندما تولى حقيبة الخارجية عام 1948 وحتى بعد توليه رئاسة الوزراء عام 1954، حاول تغيير السياسة الهجومية التي اعتمدها بن جوريون، لتظل جميع المحاولات "السلمية" التالية لرؤساء الوزراء دون مستوى تسامح شاريت، سواء تعلق الأمر بأشكول الذي كان متردداً إزاء حرب 1967، أو ديان الذي اقترح الانسحاب من قناة السويس. لكن، وفيما عدا النخب الحاكمة التي تقف في وجه السلام، هناك أيضاً قوى مجتمعية صارت تؤثر في السياسة العامة، متمثلةً في جماعات المستوطنين الأكثر تشدداً من النخبة والذين يؤججون بعمليات الاستيطان والاستفزازات المستمرة أسباب التوتر والصراع في المنطقة. زهير الكساب ------ الكتاب: قلعة إسرائيل... قصة من الداخل للنخبة العسكرية التي تدير البلد ولماذا لا تستطيع تحقيق السلام؟ المؤلف: باتريك مايك الناشر: فرار ستروس، أند جيرو تاريخ النشر: 2012