في شهر يوليو من العام 2010 وصل عدد المنخرطين في موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" نحو 500 مليون منخرط، ليحقق الموقع بذلك نسبة هي الأعلى منذ إنشائه للمرة الأولى. ولم يقف عدد الأعضاء عند ذلك الحد، فبعد 26 شهراً سجل الموقع الاجتماعي، الذي تحول إلى شركة للاكتتاب العام مطروحة لعموم المساهمين، رقماً قياسياً جديداً في عدد المنخرطين عندما وصلوا إلى مليار مستخدم، متفوقاً بذلك على جميع مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى على شبكة الإنترنت، ومكرساً مكانته الإعلانية والتواصلية. وبالطبع لم يكن يخطر هذا النمو في عدد المنخرطين على مسؤولي الموقع الذي كان أحد بنات أفكار "مارك زوبربيرج" بعد إنشائه الموقع وخروجه من الجامعة دون شهادة، حيث قال في تعليقه على الرقم الجديد: "نحن ننتمي إلى تقليد عريق يسعى إلى جمع أكبر قدر ممكن من الأشخاص لتبادل كل ما يخطر ببالهم من أفكار، واليوم وبوصولنا إلى رقم المليار مشترك، نجدد وفاءنا لهذا التقليد العريق، ونواصل مسيرة هؤلاء الذين سبقونا في الاكتشافات التي تقرب البشر، سواء كانت المقاعد، أو أجراس الأبواب، أو الطائرات، أو الجسور، أو الألعاب المختلفة... هذه كلها أمور تسهل التواصل، وتقربنا نحن البشر من بعضنا بعضاً، وليس الفيسبوك سوى استمرار لهذا التقليد وأسلوب آخر للتواصل بين سكان هذا العالم". ولمعرفة الأبعاد الحقيقة لرقم مليار مشترك في موقع "الفيسبوك" دعونا أولاً نشير إلى أن تعداد سكان العالم يصل اليوم سبعة مليارات نسمة، وهو ما يعني أن نحو 14 في المئة من سكان العالم يستخدمون "الفيسبوك". وحسب الإحصاءات التي يوردها الموقع الاجتماعي نفسه فإن أغلبية المنخرطين، أو 60 في المئة تقريباً، يدخلون إلى "الفيسبوك" عبر الأجهزة المحمولة، سواء كانت الأجهزة اللوحية التي انتشرت مؤخراً على نطاق واسع، أو الهواتف الذكية التي انخرطت العديد من الشركات الكبرى في تصنيعها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم على "الفيسبوك" هو: ماذا بعد هذا النمو الكبير في عدد المستخدمين؟ وهل ما زال الموقع قادراً على اجتذاب أعداد أكبر من المشتركين والمعلنين؟ الحقيقة أن ما يشير إليه الخبراء هو استمرار في نمو الموقع الاجتماعي الأول في العام، لكن ليس بالوتيرة نفسها التي شهدها على مدى السنوات الماضية. ولمعرفة السبب نعود دائماً إلى الأرقام، فمعروف أن عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم يبلغ 2.3 مليار شخص، وابتداءً من شهر مارس 2012 سيكون عدد مستخدمي الإنترنت في الصين وحدها قد وصل إلى 513 مليون شخص، حيث يُحظر موقع "الفيسيوك"، لذا فحتى لو استطاع الموقع الاجتماعي اجتذاب ما تبقى من المستخدمين، بمعنى نصف مليار حول العالم، فإنه سيصل بعد ذلك إلى حائط مسدود. هذا مع العلم بأن إقناع ما تبقى من مستخدمي الإنترنت بالانضمام إلى "الفيسبوك" ليس أمراً مؤكداً بالنظر إلى المشاكل التي بدأت تحوم حول موقع التواصل الاجتماعي، مثل تلك المرتبطة بحماية البيانات الخاصة بالمنخرطين وغيرها، واحتمال ظهور مواقع أخرى منافسة، والأكثر من ذلك أن طرح الشركة للاكتتاب العام، كما أُعلن قبل أشهر، لم يكن بنفس درجة النجاح المتوخاة، فقد شهد سهم الشركة تراجعاً في قيمته دفعت العديد من المراقبين للتساؤل عن مستقبل الشركة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية. ويُضاف إلى ذلك، حسب "آرون سميث" و"لوري سيجال" و"ستايسي كولي" من محطة "السي إن إن"، وهم مجموعة من الخبراء ناقشوا موضوع استمرار "الفيسبوك"، أن المنخرطين في الموقع ليسوا جميعاً على قدم المساواة أو على نفس الدرجة من الأهمية، إذ وفقاً للإحصاءات فإن أقل من 20 في المئة من المنخرطين يعيشون في الولايات المتحدة وكندا، لكن تلك النسبة البسيطة تمثل 48 في المئة من العائدات الإعلانية للموقع التي وصلت في الربع الأخير من العام الجاري نحو 992 مليون دولار، وهي العائدات التي تتفوق على ما يجنيه الموقع من إعلانات خارج أميركا الشمالية، بمعنى أن العائدات المالية للموقع لن تنمو كثيراً، بعدما وصل عدد المنخرطين في أميركا الشمالية إلى نسبة عالية يصعب تجاوزها، كما كشف تقرير حديث عن أن معدل نمو الإعلانات على شبكة "الفيسبوك" الاجتماعية شهد تراجعاً كبيراً خلال العام الماضي، حيث انخفض إلى ثلث ما كان عليه في عام 2011. فعقب تحقيق نمو بمعدلات كبيرة وصلت 60 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2011، تراجع نمو الإعلانات بأكثر من النصف ليبلغ 30 في المئة خلال الربع الأخير، وخلال الجزء الأول من عام 2012، شهد معدل النمو تراجعاً إلى 2.21 في المئة وفقاً للتقرير الصادر عن شركة "آي دي سي" الأميركية المتخصصة في أبحاث السوق؛ والمحصلة النهائية لهذا التباطؤ خسارة "الفيسبوك" لحصته السوقية من الإعلانات على الشبكة العنكبوتية، فبعد أن حصد ما يقرب من 14 في المئة من سوق الإعلانات المعروضة بنهاية العام 2011، تراجعت حصته السوقية الآن إلى 12 في المئة. ------- ماثيو شائير كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"