قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "هارولد ويلسون" ذات مرة: "إن أسبوعاً في السياسة يعتبر مدة طويلة"، وهذه الملاحظة من جانب ويلسون دقيقة تماماً في رأي الكثيرين، خصوصاً إذا ما أخذنا ما حدث في سياق الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية الأسبوع الماضي في الحسبان. ففي الثالث من أكتوبر الحالي، التقى أوباما ومنافسه محافظ ماساشوسيتس السابق ميت رومني في مدينة دينفر خلال أول مناظرة من المناظرات الثلاث المقرر عقدها بينهما حتى موعد الانتخابات في نوفمبر المقبل. وركزت تلك المناظرة على الاقتصاد، وقُدّر عدد مشاهديها بما لا يقل عن 70 مليون شخص. وقبل بدايتها ألمح بعض المحللين إلى أن أي أداء سيىء للمرشح الجمهوري في تلك المناظرة يمكن أن ينهي حملته الانتخابية. بيد أن الشيء الذي لم يكن متوقعاً هو أن الأداء السيىء قد جاء من قِبل أوباما الرئيس المنتهية ولايته، والذي كان متقدماً على رومني بفارق كبير، في بعض أهم ساحات المعركة الانتخابية، مثل "أوهايو". وباختصار شديد، يمكن القول إن السبب في تفوق رومني في تلك المناظرة أنه كان مستعداً لها بشكل جيد، حيث بدا نشطاً، مفعماً بالحيوية، دون أن يكون فظاً في نفس الوقت، كما بدا رئاسياً- وإن لم يكن مهضوماً تماماً. ومنذ البداية انكب على سجل أوباما الاقتصادي فتناوله بالنقد، رغم أنه ظل غامضاً تماماً بشأن خططه لإعادة أميركا إلى عظمتها الاقتصادية مرة ثانية. وخلال ذلك كله بدا رومني ملماً بالموضوع الذي يتحدث فيه، مسيطراً عليه، وقادراً على التعبير عنه بكفاءة. وعلى النقيض من ذلك، لم يكن أوباما في أفضل حالاته، كما لم تكن الليلة ليلته، حيث بدا مرهقاً، وغير مستعد، وفاقداً للرغبة في إطلاق وابل من الطلقات الهجومية في اتجاه رومني ونخبويته، مماثلة لتلك الطلقات التي دأب زملاؤه الديمقراطيون على توجيهها لرومني خلال الأسابيع الأخيرة. ومع ذلك، وبعد المحاضرة بيوم واحد فقط؛ وفي الساعة الثامنة من صباح الجمعة الأولى من الشهر، قام مكتب إحصاءات العمل -كما هي العادة- بإعلان أن نسبة البطالة في الولايات المتحدة قد هبطت إلى 7.8 في المئة، وأن عدد الوظائف الجديدة التي تم توفيرها في شهر سبتمبر الفائت كان أكبر مما كان متوقعاً. كان الإعلان عن انخفاض نسبة البطالة إلى ما دون 8 في المئة مفاجئاً للجميع. وبحلول مساء نفس اليوم كان هذا الخبر يحتل صدارة الصحف، ومقدمة نشرات الأخبار مع تعليقات من بعض مساعدي أوباما مفادها أن الاقتصاد الأميركي قد بدأ يظهر بعض علامات التعافي. والرقم الأخير الخاص بنسبة البطالة يعتبر الأقل منذ أن بدأ التداعي الاقتصادي عامي 2008 و2009. وكان رد فعل فريق رومني على إعلان ذلك الرقم هو القول إن الأرقام التي أعلنها مكتب إحصاءات العمل ما زالت غير متيقن منها، ولا تدعو بالتالي للفخر. لكن الحقيقة هي أن فريق رومني كان قد ركز أكثر من اللازم على رقم الثمانية في المئة كنسبة بطالة (وهو الرقم الذي قال أوباما إنه لن يسمح لنسبة البطالة أن ترتفع إليه، لكن هذا ما حدث بالفعل، ما منح رومني ثغرةً يهاجم منها الرئيس دائماً)، وظل الفريق يستغل هذا الرقم كذريعة لإبداء عدم الاكتراث بعلامات التعافي الاقتصادي في الاقتصاد، وعندما هبط تلك النسبة فإنه لم يكن بمقدورهم سوى الاستمرار فيما اعتادوا عليه من هجوم على أداء أوباما الاقتصادي. سوف يكون هناك إعلان آخر من مكتب إحصاءات العمل لنسبة البطالة في الولايات المتحدة قبل موعد الانتخابات الرئاسية. وهذا الموعد هو الثاني من نوفمبر الذي يتوقع انتظاره بدرجة كبيرة من الترقب لأنه يمكن أن يتحول ليصبح بؤرة تركيز الأسبوع الأخير المحموم من الحملة، والذي تتصاعد فيه الدعاية الانتخابية والإعلانات للذروة. لكن قبل حلول ذلك اليوم سوف تكون ثلاث مناظرات أخرى قد تمت. فنائب الرئيس الحالي جو بايدن، والمرشح لمنصب نائب الرئيس على تذكرة رومني النائب بول رايان سوف يتواجهان في مناظرة بتاريخ الحادي عشر من أكتوبر، وبعد ذلك سيلتقي أوباما ورومني في المناظرة الثانية في السادس عشر من أكتوبر التي ستكون بمثابة مواجهة شرسة يفترض أن تمنح أوباما الفرصة لتعويض خسارته في المناظرة السابقة، خصوصاً وأن الاهتمام في تلك المناظرة سوف يتركز على المسائل الاجتماعية مثل الهجرة، والرعاية الصحية، والتعليم... وهي جميعاً مسائل كان أوباما دوماً يجيد عرضها والحديث عنها. ومن المفترض كذلك أن يكون أداء أوباما جيداً في المناظرة النهائية في 22 أكتوبر التي ستخصص للسياسة الخارجية. فخلال تلك المناظرة يتوقع أن يتعرض أوباما لانتقاد حاد على خلفية الهجوم الذي وقع على مقر قنصلية الولايات المتحدة في مدينة بنغازي الليبية، والذي يتهم الجمهوريون إدارتَه بأنها قد قللت من أهمية الأنباء التي تحدثت عن أنه قد شُن من قبل عناصر إرهابية. وبخلاف ذلك الموضوع، فإن الإدارة الحالية تحظى إلى حد كبير بتأييد الشعب الأميركي فيما يتعلق بموضوع الانسحاب من العراق، وكذلك فيما يتعلق بقرار أوباما سحب القوات الموجودة في أفغانستان بحلول منتصف عام 2014. ومن المتوقع أن يحظى سجل الرئيس في تعقب تنظيم "القاعدة" وقتل زعيمه بن لادن بالإعجاب كذلك. وهكذا نرى أن الحملة الحالية التي تحولت إلى إحدى أطول الحملات الرئاسية وأكثرها تكلفة في التاريخ الأميركي برمته، تقترب الآن من ذروتها دون أن يمكن التنبؤ مقدماً بنتيجتها. على أن الشيء الواضح هو أن انتكاسة المناظرة الأولى قد مثلت نداءَ إيقاظ للديمقراطيين، وللرئيس نفسه، والذي يحتاج إلى استعادة صوته المفقود مجدداً، واستعادة حماسته، وأمله في أن يتمكن من حشد الحضور الكافي من الناخبين يوم الانتخابات، وهو ما فعله عام 2008 وضمن له دخول البيت الأبيض في نهاية المطاف.