تعددت أوجه التعاون والتنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي في العقود الماضية وحققت تقدماً للاقتصادات المحلية وللتكامل الاقتصادي بين دول المجلس، إلا أن التعاون في مجال صناعة النفط والغاز بقي عصياً ومستثنى، علماً بأن القطاع النفطي يشكل جوهر الاقتصادات الخليجية. ويبدو أن القطاعين شبه الحكومي والخاص قررا كسر هذا الاستثناء من خلال التعاون في مجال المنتجات النفطية، وهو تحول مهم وبداية مبشرة لزيادة التنسيق بين دول المجلس في هذا الجانب الحيوي، مما سينعكس إيجاباً على قطاع النفط والغاز. وفي هذا الصدد تم الاتفاق بين شركة بترول الإمارات الوطنية "إينوك" وشركة "الدريس" للخدمات البترولية والنقليات السعودية على استثمار 400 مليون درهم في إنشاء 40 محطة خدمات بترول في السعودية على مدى 3 سنوات، علماً بأن هناك أعمالاً محدودة منذ سنوات لشركة "إينوك" في البحرين. وبموجب هذا الاتفاق وقعت "إينوك" و"الدريس" في شهر أغسطس الماضي بدبي اتفاقية لتأسيس شركة برأسمال 45 مليون درهم مناصفة بين الطرفين للعمل والاستثمار في قطاع محطات الخدمات البترولية، على أن تفتتح أول محطة في العام القادم 2013. وستشكل الشركة الجديدة إضافة مهمة لسوق خدمات السيارات وتجارة التجزئة في محطات البترول في المدن السعودية، مع الاستفادة من الخبرة الواسعة لـ"إينوك" في هذا المجال. وعلى رغم رأس المال المتواضع للمؤسسة الخليجية الجديدة، مقارنة بحجم الاستثمارات النفطية الضخمة في دول المجلس والمقدرة بعشرات المليارات من الدولارات، إلا أنها تشكل بداية واعدة للاستثمارات المشتركة في الأنشطة النفطية وإمكانية فتحها أمام استثمارات القطاع الخاص الذي يسعى منذ فترة طويلة للولوج في دهاليز الصناعة النفطية والمساهمة في تنميتها، علماً بأنه ستترتب على هذا التوجه نتائج مهمة، يأتي من ضمنها: أولاً تطوير قطاع خدمات البترول الخليجية، مع الاستفادة بصورة خاصة من المستوى الراقي لمحطات توزيع الوقود الإماراتية التي ترقى إلى مستوى فنادق من فئة الخمس نجوم من ناحية الخدمة والبنية التحتية، حيث يمكن تلمس ذلك من خلال زيارة هذه المحطات ليس فقط في المدن المعروفة، وإنما في محطات الطرق الخارجية أيضاً، في حين لا تتمتع المحطات المماثلة في معظم دول المجلس بهذا المستوى من الخدمات، بل إن بعضها في حالة لا تتناسب وما حققته دول المجلس من تطور في بنيتها التحتية والتقدم الذي تم إحرازه في العديد من المجالات. ثانياً: تعزيز المنافسة بين محطات الوقود داخل كل دولة لتقديم الأفضل، تلك المنافسة التي استفادت منها دولة الإمارات من خلال وجود ثلاث شركات سعت دائماً إلى تقديم منتجات ذات جودة عالية وبأسعار تنافسية، مما قاد للوصول إلى هذا المستوى الراقي من الخدمات. ثالثاً: تعزيز السوق المشتركة وتنسيق أنشطة القطاع الخاص الخليجي الساعي إلى لعب دور أكبر في التنمية من خلال الاستثمارات المشتركة التي ستجد أمامها فرصاً في السوق الخليجية الكبيرة نسبياً ربما لا تتوافر في كل سوق خليجية بصورة منفردة، حيث ستساهم هذه الاستثمارات المشركة في زيادة الاستثمار الداخلي ودعم معدلات النمو وتوفير المزيد من فرص العمل للمواطنين الخليجيين. ويبدو أن هناك استجابة رسمية لمثل هذا التوجه المدعوم من قبل غرف التجارة والصناعة، كما أن وكلاء وزارات النفط في دول المجلس اتفقوا باجتماعهم الدوري الأخير الذي عقد في بداية الأسبوع الجاري على دراسة إنشاء سوق خليجية للطاقة والغاز، وهو تطور ينم عن توافق الرؤى بين القطاعين الخاص والحكومي. وبصورة موازية، هناك العديد من التجارب الناجحة في قطاعات أخرى تتوزع بين هذه الدولة الخليجية أو تلك، إذ يمكن من خلال تسهيل انتقال الاستثمارات بين دول المجلس المساهمة في تبادل هذه التجارب وتطوير مستوى الخدمات ومرافق الإنتاج، وهو ما سيكون له صدى إيجابي على الاقتصادات الخليجية المحلية وعلى مستوى الاقتصاد الخليجي ككل.