قال الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي في لقاء مطول أجرته معه "نيويورك تايمز"، إن مصر لن تعادي الغرب ولكنها في الوقت نفسه لن تكون خانعة مثلما كانت في عهد الرئيس السابق "مبارك"، إلا أنه اعتبر مصر وأميركا صديقين حقيقيين. وبعد فوز مرسي بالرئاسة نشرت "واشنطن بوست" تقريراً من مراسلها في القاهرة يقول: ويبدو مرسي ومساعدوه متحمسين لمستقبل العلاقات المصرية الأميركية، ومن المرجح أن تتراجع أي اعتراضات فكرية على السياسات الأميركية لصالح حاجة مرسي إلى إرساء الاستقرار في مصر وتحسين اقتصادها المتعثر، وهو ما يتطلب مساعدة واشنطن لها. وينقل المراسل عن أحد مستشاري الرئيس المصري قوله: "نتوقع بناء علاقات استراتيجية قوية مع واشنطن". أما خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لـ"لإخوان" بمصر، فيبدو أكثر حماسةً لتوثيق العلاقات بالحليف الأميركي، إذ نقل الكاتب المصري مصطفى بكري تصريحاً للشاطر يقول فيه: "تحالف الإخوان مع أميركا هو تحالف استراتيجي". والتساؤلات المطروحة على "الإخوان" بمصر وعلى كافة قيادات الإسلام السياسي في بلاد "الربيع العربي": كيف يكون أعداء الأمس هم أصدقاء اليوم؟ وكيف يبرر قادة ورموز "الإخوان" توددهم إلى أميركا والغرب اليوم وهم الذين كانوا يتزعمون حملات العداء والمقاطعة لها؟ ولماذا قبلت الحكومة المصرية بشروط صندوق النقد الدولي لمنحها القرض المطلوب، مع أن "الإخوان" كانوا يهاجمون وينتقدون النظام السابق في تعامله مع الصندوق ويعتبرون الفوائد نوعاً من الربا المحرم؟ التبريرات كثيرة و"الإخوان" والمدافعون عنهم وعن توجهاتهم الجديدة وعن تغيير لغة ومفردات خطابهم ومواقفهم، يعللون ويبررون هذا التغير بعلل وأسباب كثيرة تلتقي كلها في حقيقة واحدة هي أن منطق السلطة غير منطق المعارضة وأن خطاب من هم في الحكم غير خطاب من هم في الشارع، كما تدل بوضوح على أن اختلاف المواقف والتوجهات السياسية لجماعة "الإخوان" وتيارات الإسلام السياسي ولكافة التيارات والقوى التي توظف الشعارات الدينية أو القومية أو الأيديولوجية، إنما تنبع -أساساً- من اختلاف مواقع هذه القوى والتيارات: سلطة أو معارضة، بمعنى أن الاختلاف السياسي اختلاف مواقع لا اختلاف مبادئ ونصوص وقيم. وفي هذا يقول الكاتب عادل الطريفي: "هذا يدل على أن الجماعة -أي الإخوان- بوسعها أن تتنازل تكتيكياً، لكي لا تتوتر علاقاتها الخارجية، كما يدل على أن تبرير السياسات بالمعيار الأخلاقي ليس خطأ فقط، بل هو تعد على القيم بحد ذاتها"، ويضيف الكاتب مشاري الذايدي: "ماذا يعني هذا في اللغة السياسية والمصلحية؟ يعني أنه عندما تحضر المصالح والمنافع العملية والقراءة الواقعية تغيب لغة المثاليات والشعارات وتذوب تحت أشعة الواقع". خصوم "الإخوان"، وهم جماعات شتى، لا يجدون اختلافات جوهرية بين النظام القديم والنظام الجديد، سواء فيما يتعلق بالتعامل مع صندوق النقد الدولي أو في الاستحواذ على المناصب القيادية ومفاصل الدولة ومؤسساتها الإعلامية والقضائية وغيرها أو في العلاقات مع القوى الكبرى في الخارج، بل هناك من يرى بأن نظام "الإخوان"، إنتاج جديد لنظام مبارك ولكن بلحية وجلباب طبقاً لليساري الدكتور رفعت سيد أحمد. وهناك من يرى في حكومات "الربيع العربي" شكلاً من العودة للنظام العربي القديم لكن من بوابة "الإخوان". والآن عودة للتبريرات التي يتذرع بها "الإخوان" والمناصرون لهم لتغيير مواقفهم في التحالف مع أعداء الأمس: التبرير الأول: إن علاقتنا بأميركا تختلف عن النظام السابق، فعلاقتنا تقوم على الندية والشراكة والاحترام المتبادل ولا تقوم على التبعية والخنوع والقبول بالضغوط والإملاءات الأميركية. لكن هذا كلام ردده ويردده كل من في السلطة، والعبرة بما يحصل عملياً، إذ استجاب قادة "الربيع العربي" لأوباما حين اتصل بهم غاضباً ومعنفاً على تقاعسهم في حماية المصالح الأميركية من الجماهير الغاضبة، فتحركوا بأسرع مما كان يفعله الحلفاء السابقون. ثم إن "عدم التبعية" شعار يساري قديم من عالم ستينيات القرن الماضي وقد انتهت صلاحيته في عالم متداخل يحتاج بعضه بعضاً، وما كان مبارك تابعاً ولا خانعاً بل كان يراعي المصالح الوطنية لبلاده تماماً كما يدعي "الإخوان" أنهم يفعلون اليوم. التبرير الثاني: إن تغيير المواقف السياسية للحاجة الاقتصادية ولتحقيق الاستقرار والتنمية ومراعاة المصالح القومية العليا، أمر محمود ومطلوب بل يعد نوعاً من البراجماتية الإيجابية، سياسة وشرعاً. حسناً: إذا كان الأمر كذلك، ففيمَ كان تشنيعكم على من كان قبلكم؟ ولِمَ التحريض عليهم وتخوينهم واتهامهم بالعمالة والتبعية؟ إذا كنتم اليوم بعد أن وصلتم إلى السلطة تتحدثون بلغة المصالح المشتركة والعقلانية والعملانية فلِمَ حرّمتم على الآخرين ما تبيحونه لأنفسكم؟ التبرير الثالث: إنه نوع من التنازل التكتيكي غير المؤثر في المواقف المبدئية اعتباراً لتوازنات المرحلة ومقتضيات "فقه المصلحة"، وإن السياسة مثل الحرب تقتضي المناورة والخداع والغاية تبرر الوسيلة، وهي كلها أمور تدخل فيما يسمى بـ"التقية السياسية" المشروعة. لكن هذا يؤكد ما يقوله الخصوم من أنكم طلاب سلطة لا تختلفون عمن سبقوكم، فلِمَ توظفون سلاح الدين في شيطنة المخالفين لكم؟ لكن من حق خصوم "الإخوان" عدم التسليم بتلك التبريرات، فهم يرون في المنهج السياسي لـ"الإخوان" -عامة- نوعاً من "الانتهازية" والتي تعد آفة ونقيصة سياسية وأخلاقية، لا "البراجماتية" التي تعد منهجاً للممارسة السياسية المقبولة لأنها تراعي التوازنات وتوسع آفاق التوافق الوطني وتكرس المنهج الديمقراطي.