تموج منطقة الشرق الأوسط بتموجات إقليمية في غاية الخطورة والتأثير، برزت إحدى سماتها في الأزمة السورية وعواقبها السياسية على الصعيدين الدولي والإقليمي انعكست آثارها على مستوى استحالة توحيد رؤية مشتركة دولياً للحسم في حلحلتها بشكل يقطع دابرها، وهو ما يترجم إلى حد ما الانقسام الذي يتصدع به مجلس الأمن بين مؤيدي ومعارضي النظام "البعثي" القريب الأفول على مستوى تفادي الاحتراب الطائفي في بلاد الشام. الصراع الدبلوماسي الذي اتسم به مجلس الأمن على ضوء هذه المستجدات الإقليمية بين موسكو وبكين من جهة وأميركا والدول الغربية من جهة ثانية حال دون إيجاد مخرج أممي للأزمة المفتعلة عبر استصدار قرار لازم وملزم للحد منها، يعكس مدى السياسة البراجماتية التي تتسم بها العلاقات الدولية المبنية على المصالح كجزء لا يتجزأ من الأهداف العامة للسياسات الدولية. ومنه تبرز الأسئلة التالية: أين تبرز الإشكالية؟ لماذا تحرك مجلس الأمن على وجه الاستعجال والسرعة في تنفيذ القرارات الصادرة عنه بإجماع في أزمات سياسية سابقة؟ أين تتجلى التحديات العصية على التحدي والتجاوز السياسي؟ هل هي إعادة للتوازن على مستوى العلاقات الدولية؟ هل هي إعادة لقطبية ثنائية جديدة تشي بأن روسيا استعادت هيبتها عبر إرسال إشارات إلى المجتمع الدولي من خلال ممارسة حق "الفيتو" في صدور قرار حاسم؟ إنه تحد صارخ لمجلس الأمن الدولي في مواجهة "الفيتو" الروسي والصيني المشترك على العدول عن موقفيهما الداعم لجرائم النظام السوري، لماذا يعجز مجلس الأمن عن حسم النزاع؟ لماذا هذا التماطل في قطع دابر الأزمة السورية؟ الأسباب الحقيقية وراء استئصال شأفة الصراع في المنطقة لا يتجاوز المحاور الأساسية التالية: أولاً: تضارب المصالح في الشرق الأوسط بين الدول الكبرى، بحيث أن امتناع الصين عن إبداء الموافقة ولو مبدئياً على الاستنكار الشديد على الفظائع والجرائم المقترفة تحت مظلة محاربة الإرهاب له ما يبرره مسلخياً- و ليس مصلحياً. ثانياً: الخوف من اندلاع حرب كونية ثالثة إذا تدخلت أميركا في الصراع، بحيث أبانت روسيا والصين عن قوتهما التحالفية، في حالة نشوبها من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الديون المتراكمة في ذمة أميركا تجاه هذه الأخيرة -أي الصين- تمثلت في إنقاذها من أزمتها المالية عبر ضخ مليارات الدولارات تحول دون الإقدام على التأثير في قراراتها الدبلوماسية لقوتها الاقتصادية من حيث غزوها للأسواق العالمية. ثالثاً: المصالح الاقتصادية لروسيا في إيران، بحيث تدخلها في الشؤون السورية سينعكس عليها لا محالة، وبالتالي نرى الانسجام في الخطاب على مستوى السياسية الخارجية الروسية والإيرانية إن لم نقل تواطئاً بينها على الحرب الطائفية اعتباراً للاتجاه النصيري. هذه بعض السيناريوهات التي يمكن أن تفسر التأخير في الحسم في الأزمة السورية التي حصدت أكثر من 20 ألفاً من الأبرياء والشهداء، دون مسوغ شرعي وقانوني. وهو ما يدفعنا إلى القول بأكذوبة مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. ألم يحن التفكير إذن في صياغة ميثاق جديد يؤرخ لهذه المرحلة ويبني عليها فصوله الحاسمة نظراً لشيخوخة الميثاق الأممي الحالي- الذي أصبح لا يستجيب لمتقلبات الظرفية الدولية الراهنة؟ إنها قطبية جديدة أصبحت تلوح في الأفق، روسيا والصين من جهة وأميركا والدول الغربية من جهة ثانية. بوادرها ظهرت ولكن عواقبها لا تزال في الكواليس، ودع الأيام تكشف المجهول المرتقب. ------- رشيد أقجي كاتب مغربي -------- ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"