لم تكن أطروحات اليمين المتطرف في أوروبا تخرج في أواخر القرن الماضي عن كونها أيديولوجيات حزبية تعتاش على بقايا الفكر النازي والفاشستي، ولكن مع بدايات القرن الحادي والعشرين، أخذت الأحزاب اليمينية تصعّد خطابها المتطرف وتحشد بشكل أكبر الجماهير وتنافس في البرلمانات والحكومات. واليمين المتطرف مصطلح يطلق على الأحزاب والتيارات السياسية التي لا يمكن اعتبارها من ضمن جماعات اليمين السياسية التقليدية التي تدعو إلى حماية التقاليد والأعراف داخل المجتمع، حيث إن اليمين المتطرف يختلف عن اليمين المعتدل في أن الأول يدعو إلى التدخل القسري واستخدام العنف والسلاح لفرض التقاليد والقيم، وإن كانت الأحزاب اليمينية المتطرفة ترفض هذا النعت بزعم أنها تمثل الاتجاه العام وتنقل صوت الأغلبية. وهناك عوامل عديدة لانتشار اليمين المتطرف في أوروبا أهمها الأزمات الاقتصادية المتوالية التي تعصف بأوروبا، وانتشار "الإسلاموفوبيا" التي عززتها في المقابل الاعتداءات الإرهابية التي نفذها بعض المنتسبين للإسلام في المدن الأوروبية، وكذلك زيادة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا والأزمة الديموغرافية التي تؤكدها الإحصاءات الرسمية عن تناقص عدد المواليد من ذوي الأصول الأوروبية مع تنامٍ في أعداد المواليد من أبناء المهاجرين.. وكل هذه العوامل وغيرها جعلت الأوروبيين ينظرون بعين الريبة إلى الأجانب الذين صاروا يزاحمونهم على الوظائف، وخاصة المسلمين منهم. وساهمت هذه العوامل في ظهور دعوات تدعو لكبح جماح الهجرة والتضييق على المهاجرين، إلى درجة أن الأعمال العدائية ضد العرب والمسلمين أصبحت ضمن البرامج الانتخابية لدى بعض الأحزاب اليمينية الأوروبية! ولم تستطع قوى التطرف في أوروبا حتى اليوم الوصول إلى الحكومات وإن كان حزب الجبهة الوطنية الفرنسي بزعامة لوبن قد أوشك على الفوز في انتخابات 2002 بعد أن خسر أمام غريمه جاك شيراك. إلا أن الأحزاب اليمينية عموماً أصبحت أكثر جماهيرية ومشاركة في الانتخابات وقدرة على التأثير على القرارات في برلمانات الدول الأوروبية وفرض قوانين معادية للإسلام والمهاجرين. إن اليمين المتطرف في أوروبا لا يشكل خطراً فقط على المسلمين والمهاجرين من مختلف خلفياتهم العرقية، حيث يسود قلق بالغ بين بقية الأطياف السياسية في أوروبا كاليساريين والليبراليين وحتى اليمين المعتدل من تصاعد هذا التيار المتطرف في أوروبا الذي يعمل على إلغاء وإقصاء كل من يختلف معه فكرياً وليس فقط عرقياً أو دينياً، وخاصة بعد المجزرة التي ارتكبها السفاح النرويجي أندريه بريفيك وراح ضحيتها 77 شخصاً العام الماضي. إن على المنظمات والجمعيات الإسلامية في أوروبا، وتلك التي تعنى بقضايا المهاجرين، أن تؤكد على أهمية مبدأ التعايش السلمي في أوروبا وضمان حقوق وحريات كافة المواطنين والمقيمين، والعمل مع أغلبية الأطياف السياسية والأحزاب التي تتمسك بمبدأ التعايش السلمي ونشر التسامح. كما أن على الجمعيات والمؤسسات الإسلامية في أوروبا أن تبذل جهداً مضاعفاً في نشر الفكر المعتدل بين أبناء الجالية المسلمة، والعمل من خلال المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية على نشر قيم الدين الحنيف، ونبذ التطرف ومقاومة العنف والسلوكيات المنحرفة من قبل بعض أفراد الجالية المسلمة مثل شيوع الجريمة في بعض أماكن التمركز السكاني للمسلمين في المدن الأوروبية والتهرب من دفع الضرائب وتقديم معلومات مغلوطة للسلطات بهدف الاستفادة من المساعدات الاجتماعية، والعمل على ترسيخ قيم المواطنة مع المحافظة على مبادئ الدين القويم بين أفراد الجالية المسلمة. إن المؤسسات والمنظمات الإسلامية في أوروبا وفي الغرب عموماً أمام تحدٍّ حضاري ليس فقط للمحافظة على وجود الجالية الإسلامية وضمان حقوقها، وإنما يكمن أيضاً في مقاومة "الإسلاموفوبيا" والفكر اليميني المتطرف، وإظهار الرسالة الحضارية الحقيقية للإسلام.