يحب الأميركيون الشكوى دوما من أن الحملات الانتخابية الرئاسية تبدو وكأنها ستستمر للأبد. فتلك الحملات التي تبدأ بالانتخابات التمهيدية، ثم المؤتمر العام للحزبين، ثم التجمعات الانتخابية ثم المناظرات، وما إلى ذلك، تستغرق شهوراً وربما سنوات. والسؤال الذي يسأله الأميركيون لأنفسهم في هذه الحالة: لماذا لا ننتخب رئيساً في شهر أو نحوه مثلما تفعل العديد من البلدان الديمقراطية الأخرى؟ وقد يعتقد العديد من الناخبين أن بمقدورهم إجراء اختيار في 60 يوماً لا يقل في جودته عن الاختيار الذي يمكن إجراؤه في 60 شهراً، لكنهم في حقيقة الأمر مخطئون في هذا الاعتقاد. فالحملة الانتخابية الطويلة تجبرنا على التمهل والتمعن في المعلومات المتاحة عن المرشحين قبل التصويت عليهم. وقد أثبتت الأبحاث أننا نميل للتفاعل على نحو أسرع مما يلزم مع المعلومات الجديدة الخاصة بالمرشحين الرئاسيين، خصوصاً المتعلق منها بالفضائح أو التقلب في المواقف والسياسات، والملاحظات الفظة على الموضوعات الساخنة. فنحن نحكم على المرشحين من خلال تلك المعلومات أولا، ثم نفحص المعلومات وندقق فيها لمعرفة صحتها من عدمها فيما بعد. ومن هنا يمكن القول إن العملية الانتخابية الطويلة تجبرنا على التريث قبل أن نصوت على نحو قد نندم عليه فيما بعد. صحيح أننا إذا ما منحنا عدة دقائق فقط لاختيار رئيس، سيكون بمقدورنا تقييم خصائص بعض المرشحين بسرعة اعتماداً على مظهرهم وسلوكهم وخبرتهم، لكن من الصحيح أيضاً أن حكمنا على الأشخاص سيكون أكثر دقةً، إذا ما منحنا وقتاً أطول للتفكير بشأنهم. ما الذي كان يمكن أن يحدث مثلا إذا ما أقيمت الانتخابات مباشرة عقب ملاحظات أوباما في يوليو الماضي التي قال فيها ملمحاً إلى رومني: "إذا ما كنت تمتلك مشروعاً في الماضي فإنك لم تكن أنت الذي بنيته"؟ أو ما الذي كان يمكن أن يحدث إذا ما أقيمت الانتخابات مباشرة عقب فيديو رومني المسمى"47 في المئة" الذي ظهر منذ أسبوعين فقط، وقال فيه إن سبعة وأربعين في المئة من الأميركيين يعتمدون على الحكومة؟ والشيء المثالي في هذا الصدد هو أن يكون لدينا وقت كاف لتقليب ما يقوله المرشحون على أوجهه المختلفة. يجب ونحن نفعل ذلك أن يكون تركيزنا على الجوهر أكثر من تركيزنا على التوقيت. وعلاوة على ذلك تؤدي الحملات الانتخابية الطويلة إلى تقديم مرشحين أفضل بعد غربلة واستبعاد الشخصيات غير المؤهلة لتولي المنصب السامي. من ضمن المزايا الأخرى للحملة الانتخابية الطويلة كذلك، أن المرشح الذي يبرز من الحملة الطويلة يكون مُجرََبا على نحو أفضل، وأكثر خبرة، وأكثر ملاءمة لوظيفة الرئيس. فليس هناك من وسيلة لتدريب الرئيس على مهام منصبه أفضل من الحملة الانتخابية الطويلة. ويمكن هنا أن نستعيد ما قاله نائب الرئيس جورج بوش الأب "دان كويل" عن بيل كلينتون عام 1992 وهو أنه "إذا ما أدار البلاد بنفس الكفاءة التي أدار بها حملته الانتخابية فسوف يكون رئيساً جيدا". خلال الحملة تزداد قدرة المرشحين على أن يصبحوا رؤساء محتملين جيدين. ذلك أنهم خلال الحملة يتعرفون على الناخبين عن قرب؛ فجهود جمع التبرعات للحملة، وإلقاء الخطب في المحطات المختلفة، واستطلاعات الرأي... تجعلهم أكثر تماساً مع الناخبين. وعندما يقول هؤلاء المرشحون شيئاً يبدو من خلاله أنهم قد فقدوا إحساسهم بنبض الناخبين- مثلما فعل رومني عندما تراهن مع حاكم ولاية تكساس ريك بيري خلال مناظرة على مبلغ عشرة آلاف دولار، أو مثلما فعل أوباما عندما صرح بأن وظائف القطاع الخاص "تؤدي على نحو جيد للغاية"- فإنه تكون لديهم الفرصة والوقت للتعلم من أخطائهم والعودة مرة أخرى للتماس المباشر مع الناخبين. وعلاوة على ذلك، نجد أن المرشحين يطورون خبرتهم الخاصة أثناء الحملات ويصبحون أكثر اعتياداً على التحدي الفريد للرئاسة. فريجان مثلا أصبح بارعاً للغاية في التواصل مع الناخبين بعد أن خاض أربع حملات انتخابية رئاسية. كما أن رومني تعلم من انتقاده العلني غير المبرر لأولمبياد لندن في يوليو، كما تعلم أوباما من الخطأ الذي وقع فيه عندما امتدح راعيه الكنسي القس "جيرميا رايت جي آر" علناً عام 2008 قبل أن يفيق وينأى بنفسه فيما بعد عن آراء ذلك القس المثيرة للجدل. والمرشحون ليسوا هم المستفيدون الوحيدون من طول الحملات الانتخابية، إذ يستفيد منها الناخبون أنفسهم حيث يصبحون أكثر تأكداً من اختياراتهم وقراراتهم بعد الحملات المطولة. وقد يحل بنا التعب من طول الحملات الانتخابية والتفكير في الانتخابات ذاتها، ففي يوليو الماضي تبين من خلال استطلاع رأى أجراه مركز "بيو" للأبحاث أن 56 في المئة من المستجيبين يرون أن الحملة الانتخابية لعام 2012 أطول مما يجب وأكثر مللا مما ينبغي. ورغم ذلك يمكن القول إن الممارسة الانتخابية جيدة بالنسبة لنا... ذلك لأن مواطني الدول الديمقراطية الكبرى يجب عليهم العمل، واستخدام عضلاتهم السياسية والعملية كي يظلوا في لياقة طيبة. ورغم كل ذلك فإني أشعر بالسعادة لأن الحملة الانتخابية الرئاسية الحالية قد أوشكت على الانتهاء. فرانك بارتوني أستاذ القانون والمالية بجامعة سان دييجو- كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"