فتحت هيئة الإذاعة البريطانية في الأسبوع الماضي حواراً، حول ما إذا كان يمكن أن تكون تجربة تركيا مع "حزب العدالة والتنمية" نموذجاً صالحاً للتحول الديمقراطي في دول "الربيع العربي"، لاسيما وأن "الإخوان المسلمين" تربطهم علاقة وثيقة بذلك الحزب، وقد حرص الرئيس المصري على حضور المؤتمر الرابع لـ"العدالة والتنمية"، والذي عقد في تركيا مؤخراً، كما أن تركيا تريد أن تكون شريكاً لمصر وحليفاً استراتيجياً لها؟ وما هي الإيجابيات والسلبيات في تجربة "العدالة والتنمية" التركي؟ وما هي المعوقات التي تعترض تطبيقها؟ ولماذا الإعجاب بتلك التجربة؟ الجميع متفق على أن "حزب العدالة والتنمية" التركي حقق نمواً اقتصادياً باهراً منذ توليه الحكم، لأنه بكل بساطة حرّر الاقتصاد التركي ومكّن رجال الأعمال المحافظين القادمين من مدن وسط الأناضول من الظهور ولعبِ دور بارز في الاقتصاد، حتى أُطلق عليهم "نمور الأناضول". لكن هل يستطيع "الإخوان" في مصر تحرير اقتصادهم والسماح للشركات المحلية والمستثمرين الأجانب بالعمل بحرية، أي فتح الاقتصاد المصري على العالم مثل ما فعلت تركيا؟ لقد برز النموذج الإسلامي التركي لأنه أكثر مدنية وتسامحاً، ولا يهدف إسلاميو تركيا إلى إقامة دولة إسلامية قائمة على الشريعة، ولا يريدون تغيير المجتمع المدني التركي؛ فالنموذج الإسلامي التركي معتدل ووسطي ومنفتح على الغير وحضاري، لأنه نابع من المجتمع والبيئة التي يعيش فيها المجتمع التركي المجاور للدول الأوروبية المتحضرة والذي تربطه علاقات تاريخية طويلة مع الأوروبيين. ثم إن التجربة التركية نجحت لأنها مزجت بين التعاليم الدينية والعلمانية من خلال قواعد الديمقراطية التي التزموا بها. والأمر الذي لا يفهمه كثير من الإسلاميين في الوطن العربي، المعجبين بهذه التجربة التركية، هو أن "حزب العدالة والتنمية" تعلَّم من أخطائه السابقة وركَّز الآن عمله في إطار الديمقراطية وعمّق المفاهيم الديمقراطية في ثقافته المدنية. أما "الإخوان" في مصر والكويت والأردن والمغرب وغيرها، فلا يؤمنون إيماناً مطلقاً بالديمقراطية، بل يريدونها أداة لتوصيلهم لسدة الحكم. والدليل على ذلك المعركة الدائرة اليوم في كل من مصر والكويت وغيرها، حيث يحاول "الإخوان" تغيير الدستور ليصبح ملائماً لمصالحهم، كما يريدون أسلمة القوانين والابتعاد عن الدولة المدنية القانونية. الإسلاميون في تركيا لم يلجؤوا للعنف والتهديد والتظاهر المستمر لفرض وجهة نظرهم، كما تفعل جماعات الإسلام السياسي في الوطن العربي. كما نجج "حزب العدالة والتنمية" التركي لأنه ركّز على الاقتصاد وتوجهاته نحو السوق، فحقق مكاسب اقتصادية صبت في مصلحة تركيا، ولم يكن مؤدلجاً ضد الانفتاح الاقتصادي مثل الإسلاميين في منطقتنا العربية. وأخيراً هل يصلح النموذج التركي لنا؟ لا نتصور ذلك، إلا إذا تبنى الإسلام السياسي في الوطن العربي العلمانيةً، وهذا يعني فصل الدين عن الدولة، فالثقافة المجتمعية للشعب التركي تختلف عنّا، إذ لا يمكن تسويق نموذج العلمانية التركي في دولنا، لأننا حتى الآن غارقون في تأخرنا الحضاري وفي خلافاتنا الدينية والمذهبية والعرقية، فالعلمانية التركية ترفض المنطق الطائفي، والديمقراطية والعلمانية والحرية هي عقيدة لا تناسب مجتمع ثقافته غير ديمقراطية.