انحرف النقاش حول متى يُرسم الخط الأحمر لمهاجمة إيران، وما إذا كان أصلاً يجب رسمه، نحو العبث عندما أقدم رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، على إحاطة رسم لقنبلة ذرية تمثل الطموح النووي الإيراني بخط أحمر، دلالة على خطورة الأمر، وقد حصل هذا المشهد على مرأى من العالم أثناء خطاب نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبدا الموضوع جدياً للغاية وكانعكاس لمحاولة منع النظام الإيراني من إنتاج أسلحة نووية. لكن إلحاح رئيس الحكومة الإسرائيلي المستمر بأن تضع واشنطن خطوطاً حمراء لتقدم البرنامج النووي الإيراني، والتهديد بضربة عسكرية في حال تجاهل تلك الخطوط، بدأ في الحقيقة يؤتي نتائج عكسية، لاسيما وأن محاولاته المتواصلة لحشر إدارة أوباما في الزاوية وإقناعها برسم خطوط حمراء قبل انتخابات نوفمبر المقبلة، بدت للكثيرين خالية من اللباقة وحسن التصرف مع الإدارة الأميركية. هذا بالإضافة إلى ما يمثله تركيز نتنياهو المفرط على تبني الولايات المتحدة لخطوط حمراء، لا تريد إسرائيل نفسها الالتزام بها، من مس واضح بمصداقية هذا الموقف. بل الأسوأ من ذلك أن يدفع نتنياهو إسرائيل للانجرار إلى مواجهة مع إيران فقط لإثبات جديته وأنه يعني ما يقول. فقد أكد نتنياهو خلال كلمته أمام الأمم المتحدة أنه فقط بوضع حدود واضحة لما يجب على إيران تجنبه، يمكن لنظام طهران التعامل مع التهديد العسكري بجدية، أما هذا الذي لا يجب على طهران الإقدام عليه فيتمثل في نظر إسرائيل بمنع الإيرانيين من اكتساب القدرة على تخصيب اليورانيوم الكافي لصناعة القنبلة النووية. وفي الرسم الذي أبرزه أمام المجتمع الدولي، رسم نتنياهو مجموعة من الخطوط التي تحيط بالقنبلة الإيرانية المفترضة، من بينها خط أحمر يقع مباشرة تحت القنبلة، دلالةً على الحد النهائي الذي لا يمكن تجاوزه. لكن المشكلة مع الخط الأحمر المرسوم على الورق أنه لا يأخذ بعين الاعتبار الأخطار المرتبطة بخط أحمر حقيقي على أرض الواقع، فإسرائيل نفسها لم تحدد بعد خطاً واضحاً للبرنامج النووي الإيراني، ولم تضع تاريخاً واحداً للتحرك العسكري، لاسيما وأنه لشهور عديدة حفلت الصحافة الإسرائيلية بتخمينات حول الموعد النهائي لإقدام نتنياهو على ضرب إيران بين من تنبأ بمفاجأة أكتوبر قبل الانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل، وبين تصريحات نتنياهو نفسه في الأمم المتحدة من أن التاريخ سيكون في الربيع أو الصيف المقبلين! والحقيقة أن أي خط أحمر يمكن إعادة رسمه مرات عدة حسب التطورات الميدانية، سواء تعلق الأمر بعراقيل قد تواجه البرنامج النووي الإيراني بسبب عمليات التخريب، أو تعلق بسقوط نظام بشار الأسد الذي سيقلص النفوذ الإقليمي لإيران... فلماذا إذن التقيد بموعد محدد بينما الأمور تتغير بسرعة؟ ثم إنه لا يمكن لرئيس أميركي مهما بلغت جرأته أن يبدأ حرباً استناداً إلى حسابات دولة أخرى، لاسيما إذا كانت تلك الحسابات والمواعيد فضفاضة وغير واضحة، دون أن ننسى السياسة الأميركية المعلنة في هذا المجال والمتمثلة في منع إيران من إنتاج فعلي للسلاح النووي وليس منع القدرة، أو التخصيب في حد ذاته، وهي العملية التي ستستغرق أكثر من ستة أشهر التي يحددها نتنياهو. وكما أوضح أوباما في برنامج "ستون دقيقة": "أعتقد أن الشعب الأميركي يريد من رئيسهم أن يتخذ قرارات متبصرة تقيّم بشكل متأني التطورات ولا تتسرع في استخدام القوة والدخول في حملة عسكرية أخرى بعد عقد كامل من الحروب". والأكثر من ذلك أن الرئيس الأميركي حتى يحدد خطاً أحمر لابد أن يتفق أولاً وقبل كل شيء مع المصالح الأميركية، بحيث يتعين عليه التقييم الدقيق للحد الذي يبرر استخدام القوة، والحال أن تقييم واشنطن للخطر الإيراني يختلف عن نظيره الإسرائيلي؛ فحالة الاستعجال التي يتبناها نتنياهو تنبع من اعتقاد بأن ملالي إيران يريدون تسريع المواجهة الكبرى لعودة المهدي المنتظر، وقد كان لتصريحات أحمدي نجاد دور في ترسيخ هذا الاعتقاد، لكن بالنسبة للعديد من الخبراء الأميركيين وحتى نظرائهم الإسرائيليين يتحلى النظام الإيراني بقدر كبير من العقلانية تحول دون تفكيره في ضرب إسرائيل بالأسلحة النووية، ذلك أن مثل هذا السيناريو سيتسبب في مقتل مليوني فلسطيني ونسف ثالث أقدس مسجد في الإسلام، هذا ناهيك عن الضربة الثانية لإسرائيل التي ستدمر إيران وتقضي تماماً على تطلعاتها لقيادة المسلمين، أضف إلى ذلك أن أحمدي نجاد الذي يذكي المخاوف الإسرائيلية سيغادر السلطة عما قريب، وبالتالي فإذا كان الخطر الإيراني أقل استعجالاً مما يتم تصويره، فإنه يمكن تحقيق نتائج جيدة فقط بمواصلة الضغط على طهران، لاسيما وأن تقريراً لوزارة الخارجية الإسرائيلية أشار، في الأسبوع الماضي، إلى التأثيرات السلبية للعقوبات الدولية على إيران، تلك العقوبات التي تسببت في تراجع 50 في المئة من حجم الصادرات الإيرانية من النفط. وأخيراً لا يمكن لقائد أميركي الانخراط في حرب جديدة دون الانتباه إلى حساب الربح والخسارة، وهو ما عبر عنه رئيس "الموساد" السابق، مير داجان، في حديث لمجلة "النيويوركر"، موضحاً أخطار الهجوم على إيران قائلاً: "عليك الأخذ بالاعتبار جملة من الأسئلة؛ مثل ما الذي سيتحقق من ضرب إيران؟ وماذا سيجري في الدقائق الخمس التالية للهجوم؟ وما هي نتائج مثل هذا التحرك؟". ترودي روبين كاتبة ومحللة سياسية أميركية ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"