تمثل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في السادس من نوفمبر المقبل لحظة تحدٍّ وخيار مصيري بين مقاربتين لمستقبل أميركا والعالم، وستجرى على وقع استقطاب حزبي وسياسي غير مسبوق بين الديمقراطيين والجمهوريين. وبالنسبة للديمقراطيين يتقدمون مجدداً بمرشحهم الرئيس أوباما الذي سبق أن وعد سنة 2008 بإحداث تغيير جذري في المشهد السياسي والإداري الأميركي، ومازال الحلم يراوده مجدداً للمضي بهذا المشروع السياسي لاستكماله في سنوات ما بعد استحقاق 2012. أما الجمهوريون المحتشدون الآن خلف مرشحَيهم ميت رومني، ونائبه بول رايان المدعوم من قبل حركة "حفل الشاي"، فتسود حملتهم هم أيضاً أجواء من التحمس والأمل بإمكانية استعادة زمام المبادرة مجدداً واعدين باستكمال أهداف "الثورة المحافظة"، التي بدأت في عهد ريغان. وعلى هامش هذا الاستقطاب السياسي الحاد والحملات الانتخابية الأميركية تقف بقية العالم متفرجة في انتظار معرفة من سيفوز في النهاية في الاستحقاق ومن سيكون سيد البيت الأبيض خلال السنوات الأربع المقبلة. وفي سياق هذه الفرجة قليلة هي الكتب التي صدرت خارج أميركا بأسلوب يمكن اعتباره دخولاً على خط الحملة. وربما يشكل كتاب "كارثة أوباما" الصادر مؤخراً للأكاديمي والخبير السياسي الفرنسي "غي ميليير" استثناء من هذه القاعدة، حيث إنه يكشف منذ العنوان عن قراءته الناقدة لأوباما وسياساته الاقتصادية "الكارثية"، وبكيفية ربما يعجز حتى عتاة الدعاية الإيديولوجية من الجمهوريين الأميركيين عن مضاهاتها. و"مليير" يعتبر أحد أبرز المتخصصين الفرنسيين في الشؤون الأميركية، حيث عاش في بلاد "العم سام" فترات مديدة، وكتب عنها عدة مؤلفات كان من ضمنها أحد أوائل الكتب التي عرفت الفرنسيين أصلاً بأوباما. وفي البداية ينطلق الكاتب من كيل التهم والانتقادات لأداء إدارة أوباما في مجال الاقتصاد خاصة، حيث إنها قد رسخت نوعاً من رأسمالية الاعتماد ذات المخاطر العالية، كما أشاعت ممارسات أخرى اقتصادية بالغة السلبية، وإن كان الإعلام لا يثيرها غالباً. ومن ذلك مثلاً أن إدارة أوباما قد أثقلت كاهل الخزينة العامة الأميركية بالديون بشكل جعلها تتفوق في الاستدانة على إدارات الرؤساء الأربعة السابقين. وهنا يتساءل الكاتب عن الآفاق التي يمكن أن تقود إليها الاستدانة المفرطة ومآل الاقتصاد الأميركي خلال السنوات المقبلة، خاصة أن حالة الركود الآن عامة، وأزمات الديون السيادية تعصف بالشركاء الأوروبيين، ونسب البطالة والفقر قياسية، ومعدل النمو يقارب الصفر بعد سنوات من الركود الصعب، هذا زيادة على حقيقة كون عدد الوظائف القائمة الآن يقل بكثير عن عددها قبل أربع سنوات. وأكثر من هذا أن القوانين الثلاثة التي يفاخر بها أنصار أوباما، والتي يعترونها إنجازاته الأبرز، وهي قوانين التحفيز الاقتصادي، والإصلاح المالي، وإصلاح نظام الرعاية الصحية، ترتب عليها جميعاً إنفاق هائل وخسائر اقتصادية محض، بمليارات الدولارات، مع ما يتخلل ذلك، بطبيعة الحال، من إساءة استخدام لأموال الخزينة العامة، وشبهات فساد شامل وتواطؤ. كما استمر أيضاً تنفذ كارتيلات الاحتكار، وتغول القطاع العام الفيدرالي واستحواذه على قطاعات كاملة من اقتصاد البلاد. ثم ما الذي يمكن قوله عن الإنجازات في مجال السياسة الخارجية، التي يحلو للبعض وصفها بأنها "نقطة قوة" أوباما؟ يتساءل الكاتب، مجيباً في سخرية ظاهرة إن من ضمن نتائج تلك السياسة وقوع تونس وليبيا ومصر واليمن ولبنان بأيدي الإسلاميين، وترك إيران تمضي في برنامجها النووي دون أن يتمكن من فرض عقوبات مؤثرة عليها... ومغادرة العراق وترك المجال هناك مفتوحاً لتدخل وتأثير إيران، والانسحاب من أفغانستان مع تنامي خطر "طالبان"! ثم ماذا بعد؟ هل التعامل أيضاً بسلبية بالغة مع التحديات التي تطرحها روسيا وفنزويلا والصين يجعل سياسة أوباما الخارجية هي نقطة قوته! وهل القضاء على بن لادن يخفي حقيقة استمرار خطر إرهاب "القاعدة" وهي تنتشر من اليمن إلى الصومال وليبيا وأزواد وموريتانيا وحتى سيناء، وباكستان وسوريا؟ هذه هي الحقائق، يقول الكاتب، التي لا تريد وسائل الإعلام الفرنسية والأوروبية إثارتها أو الحديث عنها، بحكم وقوعها أصلاً في هوى جاذبية أوباما السياسية، ونزعته اليسارية السابقة التي تحوَّل منها رأساً ليصبح سيناتوراً مدة سنتين، ثم رئيساً، وهذا هو كل تاريخه السياسي، وتأتي بعد ذلك نقطة نهاية السطر. تبقى الإشارة أخيراً إلى أن المؤلف "غي ميليير" لا يكاد يخفي في غمرات حجاجه نزعته اليمينية المؤيدة لإسرائيل، ووقوفه الضمني، إلى جانب كل ما له علاقة باليمين الأميركي المتطرف، ومن وراء ذلك الاصطفاف إلى جانب أكثر التيارات محافظة في صفوف الحزب الجمهوري. ولذا راح يقحم أطروحات ذلك اليمين الأكثر ضحالة وتخشباً مقدماً إياها على أنها حقائق ثابتة تستحق التبشير بها هناك على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، لإقناع جمهور القراء الفرنسيين، واستطراداً الأوروبيين، بأن ثمة صورة أخرى لأوباما هي الاسم الثاني للفشل الاقتصادي والإخفاق السياسي. وتهافت كثير من دعاوى هذه الروح السجالية التي يستبطنها الكاتب جعل عمله يتحول أحياناً إلى ما يشبه "المانيفستو" الهجائي الموجه بتحامل ضد أوباما وسياساته. ولذلك دخل بهذه الطريقة المتطفلة -وربما المُسفة أحياناً- إلى سجال الحملة الانتخابية الأميركية من الباب العريض، وعلى طريقته الخاصة غير المقنِعة أو حتى المقنَّعة. حسن ولد المختار ---------- الكتاب: كارثة أوباما المؤلف: غي ميليير الناشر: تاتاميس تاريخ النشر: 2012