أصدر المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية، الدليل المغربي للاستراتيجية والعلاقات الدولية تحت إدارة وإشراف الدكتور عبدالحق عزوزي، وإشراف مشترك لأسماء علوي تايب وعبدالله حارثي ومحمد فقيهي. وهذا التأليف للمركز المغربي، وبمشاركة ثلاثمئة خبير مغربي وعالمي سيبقى سنوياً وسيصدر في الوقت نفسه بالعربية والفرنسية والإنجليزية، ويطبع في دار نشر عالمية (لارمتان الباريسية) ليكون مرجعاً أكاديمياً وعلمياً وفكرياً داخل المغرب وخارجه. وهذا الدليل موجه لطلب العرب المتزايد، وللمهتمين في العالمين الأنجلوسكسوني والفرانكفوني على حد سواء؛ وهاته هي ميزة إصداره بلغات ثلاث وطبعه في دار نشر عالمية. فهو موجه إلى الطالب والباحث والأستاذ، وموجه إلى مراكز الأبحاث وصياغة القرار ورجالات الدولة والاقتصاد؛ ثم هو موجه إلى الدبلوماسيين والمنظمات الدولية والجهوية، لهذا فكل طبعاته تحافظ على درجة عالية من المسؤولية والحرفية ليبقى العهد موصولاً مع كل قرائه، خاصة في العالم الأنجلوسكسوني. إن الدليل المغربي للاستراتيجية والعلاقات الدولية يسعى لكي يكون سابقة في الإنتاج الفكري المعتمد، ينضج بشكل جماعي في نطاق المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية، في سعي دؤوب منا إلى مراجعة الكثير من الأخطاء وتوثيق ما يجب أن يوثق في بنك من المعلومات، وإعطاء تحليلات علمية وفكرية تكون مبعث شعور بالارتياح لاتساع المشترك بين المختصين والمثقفين من جهة، والدليل الإضافي على ما أنفقه أعضاء المركز من جهة أخرى. وتتناول مواد هذا الدليل مسائل مختلفة ينتظمها خيط رابط؛ فهناك المجالات الدبلوماسية للمغرب في كل الجوانب مع افريقيا والولايات المتحدة والعالم العربي، وهناك المجال الاقتصادي في كل جوانبه، وهناك المجال السياسي والقانوني والمؤسساتي الداخلي، وهناك القضايا الجهوية والدولية التي ينظر إليها الدليل بوضعها في ميزان المراجعة والفحص النقدي. أما الخيط الرابط الذي ينظمها، فهو الرؤية الاستراتيجية إلى هذه المسائل جميعاً من منظور مسكون بفكرة المستقبل. ثم إن مفهوم الاستراتيجية الذي يأخذ الدليل اسمه ليس محدوداً بالهيمنة العسكرية أو التخطيط العسكري؛ وحتى الأمن القومي، فهو يتمثل في أكثر من مجرد استخدام الجيش، ويتطلب تطوير وتوظيف جميع عناصر القوة التي تمتلكها الأمة. وعلاوة على ذلك، فإن الأمن القومي يشمل المكونات الداخلية الخارجية، وهذا يزيد من تعقيدات ترسيخه على أرض الواقع، وبمصطلحات مبسطة حسب الخبير "هاري آر. يارغر"، يمكن القول إن الاستراتيجية في جميع مستوياتها معرفة بأنها حساب الأهداف والمفاهيم والموارد ضمن حدود مقبولة للمخاطرة، لخلق نتائج ذات مزايا أفضل مما يمكن أن تكون عليه الأمور لو تُركت للمصادقة أو تحت أيدي أطراف أخرى. ويمكن فهم الاستراتيجية بطريقة أفضل على أنها "فن" و"علم" تطوير واستخدام القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية للدولة المعنية بصورة منسجمة مع توجيهات السياسة المعتمَدة، لخلق تأثيرات ومجموعة ظروف تحمي المصالح القومية وتعززها، مقابل الدول أو الأطراف الأخرى أو الظروف والمستجدات. لذلك يسعى هذا الدليل إلى إيجاد التآزر والتناسق والتكامل بين الأهداف، والطرائق، والموارد، لزيادة احتمالية نجاح السياسة، والنتائج الإيجابية التي تنجم عن ذلك النجاح. إن صياغة الاستراتيجية تجمع الفن والعلم. ومن زاوية كونها فناً، يمكن تفسير صياغة الاستراتيجية على أنها ساحة للعبقريات النادرة، حيث يتواصل القادة الموهوبون بفعل حدسهم إلى حلول عظيمة لقضايا معقدة بشأن السياسة والدبلوماسية والاقتصاد وهلم جرا. ولا يمكن إنكار دور العبقري الحقيقي، لكن ليس هناك سوى دول قليلة في البيئة الدولية الحالية تستطيع تحمل عواقب الانتظار إلى حين وصول عبقري يعول عليه. ويمكن أن يطمئن العدد الأكبر من محترفي الأمن القومي لحقيقة كون الاستراتيجية علماً أيضاً. وهذه الحقيقة توحي بأن صياغة الاستراتيجية يمكن أن تراقب، وتكتب عنها النظريات، ويمكن أن يتم تحسين مستوى تطبيقها من خلال الدراسة والخبرة. وبالفعل هناك مؤلفون بارزون ومشاهير كثر مثل صن تزو، وكارل فون كلاوزفيتر، وكولن جراي، اعترفوا بأهمية الفن والعبقرية في صياغة الاستراتيجية، وقدموا الهيكل النظري والملاحظات التي تساعد على فهم أفضل لصياغة الاستراتيجية. ولذلك نجد في هذا الدليل مرونة علمية في المنهجية الأكاديمية التي يتبعها الجامعيون المختصون؛ فعالم العلوم السياسية مثلاً لا يمكن تصوره بمعزل عن علوم العلاقات الدولية والعكس صحيح؛ فهما مجالان مترابطان أيما ترابط؛ ومقدم كتاب الدليل عبدالحق عزوزي يتفق كامل الاتفاق مع المختصة جوزيفا لاروش، عندما تكتب أنه يخطئ الباحث عندما يظن أن العلاقات الدولية يمكنها أن تدرس ويكتب عنها بصفة منفردة: فأي تصور دولي هو جزء من العلوم الإنسانية والسياسية؛ وأي جهل لهذا المنطق قد يؤدي بالبحث إلى جعله مبتوراً يفتقد إلى كل معاني المصداقية، ويقوم بتفقيره ويجعله عبارة عن دراسات عامة ووصفية إن لم نقل صحفية. المهم أن من بين أهداف هذا الدليل، هو التنظير الذي يمكن أن يساعدنا على توسيع وتنظيم تفكيرنا؛ ونستحضر هنا كلمات كلوزفير، عندما يكتب عن النظرية من حيث أنها يجب أن تكون مخصصة للدراسة وليس لتبنيها من حيث هي عقيدة. آنذك تصبح النظرية دليلاً لكل شخص يريد أن يتعلم (...) من خلال الكتب؛ فهي تنير طريقه، وتسهل تقدمه، وتدربه على الحكم السليم، وتساعده على تجنب المأزق... تكون النظرية بحيث لا يحتاج المرء إلى البدء من جديد كل مرة للتعرف إلى المسألة وتحليل تفاصيلها، بل يجدها جاهزة بين يديه، ووفق ترتيب جديد. وهذا من بين مقاصد الدليل المغربي للاستراتيجية والعلاقات الدولية؛ إذ يسعى إلى تغذية عقول الاستراتيجيين الدبلوماسيين والسياسيين والاقتصاديين والباحثين والطلبة والأكاديميين وصانعي السياسة الوطنية والدولية، ومساعدتهم على بناء وعي فكري جديد بمجال تخصصهم، يفتح أذهانهم على كل الاحتمالات، ويحضهم على التفكير في التكاليف والمخاطر المترتبة على القرارات. فهذا الدليل يلعب دور الإطار المرجعي المشترك لتوثيق وتحليل وصناعة وتقويم السياسات والاستراتيجيات المناسبة، وإيصالها إلى أولئك الذين حملهم القدر على تنفيذها. د. عبدالحق عزوزي -------- الكتاب: الدليل المغربي للاستراتيجية والعلاقات الدولية إدارة وإشراف: د. عبدالحق عزوزي الناشر: لارمتان تاريخ النشر: 2012