دفع جفاف تاريخي ضرب منطقة الغرب الأوسط الأميركي حكومة الولايات المتحدة، إلى إجراء خفض كبير في تقديراتها لمخزونها من الحبوب، بما في ذلك الذرة وفول الصويا والسورجم (الذرة الرفيعة)، وهي خطوة كانت من ضمن أسباب ارتفاع أسعار كافة السلع الغذائية، وبالتالي زيادة المخاوف المتعلقة بمخزون الغذاء العالمي. ومن المعروف أن محصولي الذرة وفول الصويا الأميركيين مهمان للغاية لإمدادات الغذاء العالمية، حيث يستخدمان كطعام للإنسان وعلف للحيوانات، وفي إنتاج زيوت الطهي، بل وإنتاج وقود السيارات في بعض الحالات. وانخفاض إمدادات المواد الغذائية من جهة، وارتفاع أسعارها من جهة أخرى، يدلان على أن الدول الأكثر فقراً، التي تعتمد على الاستيراد لتلبية احتياجات شعوبها، لن تكون قادرةً على استكمال مخزوناتها المتناقصة من هاتين المادتين الغذائيتين المهمتين. "إنه لوضع صادم"... هذا ما قاله "دان باس"، رئيس مؤسسة "آيه جيه ريزورسس"، خلال محادثة هاتفية جماعية يوم الخميس الماضي، وذلك قبل صدور "تقرير تقديرات الطلب والعرض الخاصة بالمواد الزراعية على مستوى العالم"، والذي تصدره وزارة الزراعة الأميركية سنوياً. وكان مما قاله "باس" خلال تلك المحادثة: "هذا الشيء يجعل المسؤولين في الأمم المتحدة قلقين للغاية، لأن الدول الفقيرة في العالم سوف تشهد ضغوطاً هائلة على ميزانياتها بسبب عدم قدرتها على تلبية احتياجات سكانها من المواد الغذائية الضرورية، وهو وضع بات مخيفاً للغاية بالنسبة للجميع، لكن بشكل خاص لهؤلاء الذين يعانون من الفقر". وأدى نشر تقرير العرض والطلب الخاص بالمواد الزراعية على مستوى العالم، صباح الجمعة الماضي، إلى ارتفاع الأسعار في بورصة السلع في شيكاغو إلى أرقام قياسية، خصوصاً أسعار محصولي الذرة وفول الصويا اللذين يعتبران أكثر محصولين تعرضا لأضرار الجفاف حتى الآن. ويشار في هذا الصدد إلى أن تقديرات إنتاج الولايات المتحدة من الذرة في الوقت الراهن تعتبر في أدنى مستوى لها منذ موسم 1995-1996. والتقرير المذكور يعتمد على مؤشر أسعار منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة الصادر مؤخراً، والذي أظهر أن أسعار المواد الغذائية بشكل عام قد ارتفعت بنسبة 6 في المئة لأسباب مختلفة من أهمها، الجفاف الذي ضرب الولايات المتحدة. ومن الأسباب الأخرى، الأمطار التي جاءت في غير موعدها في البرازيل، والتي تعتبر من كبار منتجي السكر في العالم، وكذلك موجة الجفاف التي ضربت أجزاء كبيرة من حزام القمح في روسيا. وكان ارتفاع درجات الحرارة، وشح الأمطار في عدد كبير من الولايات الأميركية، سبباً في موجة الجفاف الحالي التي تضربها، والتي تعد الأعنف منذ موجة الجفاف التي حدثت عام 1956. ورغم أن الولايات المتحدة تعتبر أكبر مصدر للذرة في العالم، فإن نصف حقول زراعة هذا المحصول فيها بات يشار إليها حالياً على أنها "في حالة سيئة"، وهو ما دفع وزارة الزراعة الأميركية إلى خفض تقديراتها للإنتاج السنوي من هذا المحصول بنسبة 12 في المئة تقريباً. ويشار في هذا السياق إلى أن المزارعين الأميركيين قد حرصوا على زراعة أكبر محصول للذرة هذا العام، توقعاً لارتفاع أسعار المواد الغذائية من جهة وارتفاع الطلب العالمي من جهة أخرى. وكان من المفترض، بناءً على ذلك، أن تسبح الولايات المتحدة في بحر من الذرة بحلول الخريف الحالي؛ بيد أن ذلك لم يحدث، ما دفع الخبراء لتوقع أن المحصول سيكون هزيلاً وصادماً "كحادث تحطم قطار" على حد تعبير كيلي وايسبروك، مدير صندوق مؤسسة "هارفست كابيتال ستراتيجيز". وارتفاع أسعار المواد الغذائية سوف يعني أن الدول الفقيرة، التي تعتمد على الاستيراد، مثل باكستان وبنجلاديش والسودان وجنوب السودان ومصر... سوف تضطر لشراء كميات أقل من تلك المواد، ما سيعرض الملايين من سكانها إلى أخطار جسيمة، الأمر الذي يمكن أن يخلق ظروفاً مماثلةً للظروف التي كانت سائدةً خلال أزمة الغذاء العالمية عامي 2007-2008. ويمكن القول إن تقديرات عرض الغذاء العالمي هذا العام سوف تنخفض -في المجمل- بمقدار 180 مليون طن متري عن العام السابق، وهي كمية كافية لملء ما يقدر بـ360 ناقلة عملاقة حتى قمتها. ويشار إلى أنه خلال أزمة الغذاء السابقة، في العامين المذكورين، اندلعت نحو 60 مظاهرة احتجاج ضد نقص المواد الغذائية في مختلف أنحاء المعمورة، كما جاء في تقرير لوزارة الخارجية الأميركية. ومن المعروف أن الولايات المتحدة تقود دول العالم في تصدير الذرة وفول الصويا والقمح، وأن زيادة أسعار تلك المواد المتوقعة بسبب نقص المحصول، سوف تكون سبباً لمعاناة العديد من سكان الدول الأكثر فقراً في أجزاء مختلفة من العالم، كما جاء في دراسة لمؤسسة أوكسفام الخيرية البريطانية صدرت قبل صدور تقرير الأمم المتحدة المشار إليه آنفاً. ومع ذلك تشير منظمة "الفاو" إلى أن المؤشر الكلي لأسعار الغذاء خلال الفترة الحالية، سوف يكون أقل من أعلى مستوى وصل إليه (خلال شهر فبراير 2011). وتلمح المنظمة إلى أن هناك قوى معادلة أو موازنة -منها على سبيل المثال انخفاض أسعار اللحوم- قد تساعد على تجنب تكرار ما حدث أثناء أزمة الغذاء العالمية الأخيرة. -------- باتريك جونسون كاتب أميركي متخصص في شؤون العلوم والتقنية -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. بي. سي. إنترناشيونال"