يُنصح للالتفاف على قواعد النحو اللجوء إلى الحيلة اللغوية الشهيرة "سكّن تسلم"، فينطلق صاحبها واثق الخطى من أن الألغام النحوية لن تنفجر في وجهه. ويبدو أن للصحفيين والكتّاب حيلة مشابهة، هي "عمّم وانشر". فمنذ أن وعينا على الصحف ونحن نقرأ عن الزعماء العرب، والأنظمة العربية، والتخاذل العربي، والمبادرات العربية، والسبات العربي، وهزائم العرب، والسجون العربية، والجلادين العرب. وليس معلوماً متى بدأ الكتّاب والصحفيون في استخدام هذه الحيلة، هل كان ذلك مع بدايات ظهور الصحف، أم مع احتلال فلسطين، أم بدأ مع مرحلة الانقلابات العسكرية؟ لكن من الواضح أن هذه الحيلة تستخدم تفادياً لمقص الرقيب، فما دام الموضوع لا يشير إلى نظام معين، وإنما سيشير من البداية إلى النهاية إلى "الأنظمة العربية"، فيمكن تمريره مهما كان واضحاً فيما بين سطوره. وفي بعض الأحيان يكون اللجوء إلى تلك الحيلة خوفاً من الوقوع في فخ السُلطة، فلا أحد سيبالي بملاحقة الكاتب أو الصحيفة ما دام انتهاك حقوق الإنسان وقع في "السجون العربية"، وما دام الضحية تعرض للتعذيب على يد أحد "الجلادين العرب". وقد يلجأ بعض الكتّاب البارزين إلى هذه الحيلة بدافع المجاملة أو وفاءً لـ"العيش والملح"، فينساب حبر التعميم من أقلامهم، مغرقاً الصالح والطالح. ولا يهم سبب اللجوء إلى هذه الحيلة، والمهم هنا هو الإشارة إلى أن هذا التعميم أضرّ بسمعة دول عربية ناجحة وأفاد في الوقت نفسه أنظمة غارقة في الوحل، فـ"مواساة الأشقياء أن يوجد من يشاركهم مصائبهم"، كما يقول سبينوزا، وهو وإن عنى بالأشقياء الأشخاص الطبيعيين، فيمكن أن تعني أيضاً الأشخاص الاعتباريين. سياسة التعميم كانت طوال عقود بمنزلة اللحاف الذي يتدثر به الفاشل ليخفي قصوره وعجزه، وكانت كذلك غطاءً يلقى على الناجحين فلا تعود إنجازاتهم واضحة للعيان، ويحتاجون إلى بذل الكثير من جهد التوضيح لئلا يوضعوا في كفة واحدة مع الفاشلين ولا يكون "الحال من بعضو". وبالطبع، لم يكن ما ينشر في الصحف مجرد "كلام جرائد"، إذ تسرّب بتعاقب الأجيال إلى عقول الناس وأفهامهم، وصار جزءاً من تصوّراتهم، وهو أن العرب كتلة فشل واحدة. وكان المأمول من "الربيع العربي" أن يفرز، بشكل واضح، وبأثر رجعي، بين الدول التي كانت مستفيدة من اللحاف وبين الدول التي كانت متضررة، ذلك أن رياح التغيير هبّت على الدول المستفيدة فحسب، فأزاحت اللحاف عنها وانكشفت أمام العالم. لكن الذي حصل أن التعميم عاد بلحاف آخر لكنه منسوج من خيوط التعميمات السابقة، فما دام العرب كتلة فشل واحدة، وهو تعميم يعود لمرحلة ما قبل "الربيع"، فإن رياح التغيير ستضرب تلك الكتلة بأكملها! وهناك تعميم على نطاق أضيق، لكن يُتوسع في استعماله في مواقع التواصل هذه الأيام، وهو التعميم في مسائل ذات طابع خليجي، فنسمع مثلاً عن حكومات الخليج، والإصلاح في الخليج، والدور الخليجي في كذا وكذا. ورغم أن الإمارات قطعت سنوات ضوئية في مجالات معينة، ولا تزال تتدرّج في مجالات أخرى، كالمجال السياسي بشكل محدد، فإنها تتضرر كالعادة من مسألة التعميم. صحيح أن مزاعم بعض الأشخاص بشأن حاجة الإمارات إلى "ربيع" ستظلّ مجرد مزاعم، لكن الحاجة ملحّة لإبراز صورة الإمارات كواحدة من أنجح دول المنطقة والإقليم، وحال العرب لم يكن "من بعضو" سابقاً ليكون "من بعضو" لاحقاً.