أصدرت المحكمة الدستورية حكمها بالطعن المقدم من الحكومة الكويتية ورفضت الطعن المقدم من الحكومة في نظام الدوائر الخمس، والذي على أساسه انتُخِب مجلس الأمة لعام 2012. وبصدور الحكم ينتهي فصل من فصول الصراع الذي تعيشه الكويت منذ تحريرها. الوضع شائك ومعقد نتيجة لغياب الوضوح، فالحكومة رفعت الأمر للمحكمة الدستورية حرصاً منها على مبدأ العدالة بين الدوائر وبين مكونات المجتمع. لكن يرى البعض أن المعلن من الحكومة لا يدعمه تاريخها المناهض للديمقراطية، فالمجلس تعرض للحل غير الدستوري مرتين، مما يعني أن الحكومة غير قادرة على التعامل مع أي مجلس تملك المعارضة غالبية مقاعده، بل تسعى لمجلس مهادن ومتعاون بلغتها الخاصة وليس بلغة الديمقراطية. أما المعارضة بأطيافها المختلفة، فعليها مآخذ لكونها مختلفة في أفكارها من جانب، ولغياب برنامج الحد الأدنى بينها من جانب آخر. هناك تشويه متعمد للديمقراطية ومحاولة من أطراف نافذة تسعى لوقف التطور الديمقراطي لأنه بات يشكل مصدر تهديد لامتيازاتها. والمشكلة الكويتية ليست في رئاسة الحكومة وحدها، بقدر ما هي في غياب النهج الواضح لتحقيق التطور والتنمية ومحاربة الفساد، كما أن المطالبة برئاسة شعبية للحكومة لن ينهي فصول الصراع بقدر ما سيظهر لنا أوجهاً جديدةً للصراع الاجتماعي، وإن كان البعض يرى في الرئاسة الشعبية استكمالاً مرحلياً لشكل الديمقراطية في الوقت الذي نفتقر فيه لعلاقة صحية بين المواطن والدولة. والمتعارف عليه أن الديمقراطية مشروع حضاري يحقق الصالح المجتمعي بدرجة أو بأخرى، كما أن إحدى أهم ركائز الديمقراطية تتجسد في تحديد الواجبات والحقوق وتكريس المواطنة المسؤولة. لكن دولة الكويت ما زالت توظف المفاهيم التقليدية للدولة الراعية لرعيتها، وهذا يشكل تحدياً للديمقراطية التي تتطلب وجود علاقة مسؤولة بين المواطن والدولة. التداخل بين السلطات والتعدي على حقوق إحداها، أمر يجب إيقافه، وعلى الحكومة التي طالما لامت السلطة التشريعية لتجاوزاتها، أن تعي بأن من يملك السلطة عليه الدفاع عنها. أما سياسة المجاملة وكسب الود لتحقيق مطالب غير مشروعة، فمما تسبب في التعدي على السلطة التنفيذية. الحكومة من حقها أن تتحالف مع أي كتلة أو قوة سياسية لتحقيق برامجها، لكن تحالفها لا ينبغي أن يستهدف مصالح فردية لنائب برلماني أو قوة اجتماعية على حساب سيادة القانون ومبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين. الدولة مطالبة بإعلان توجهاتها المستقبلية نحو قضايا شائكة تعطل التطور بأشكاله المتعددة، كما أن ترددها يُمثل حالة غير طبيعية لا تنم عن شفافية، لاسيما أن الصراع السياسي يتصاعد وله تداعياته على الإقليم الخليجي، مما يوتر العلاقة بين الأشقاء. وفي ظل هذه الأجواء التي تعيشها الكويت، على الحكومة أن تتخذ خطوات عملية نحو الإصلاح بكافة أشكاله، فالتوتر القائم هو حصيلة سياسات عامة انتهجتها الحكومة، وهي اليوم مطالبة بمراجعة كل الثغرات، وطالما غابت رؤيتها المستقبلية، فلن تخرج الكويت من نفق الصراع الذي استهلك طاقة المجتمع وبات يهدد ركائز الدولة. إن سياسة الاستخفاف بالصراع غير مجدية، وتركه يتواصل على ما هو عليه سيؤدي بكل تأكيد إلى مزيد من الاختناق.