بقيت باكستان من أشد أنصار القوانين المضادة للذم والتدنيس أو عدم الاحترام للرموز الدينية المبجلة. ويعتبر المسلمون أن واحداً من أهم عناصر الإيمان هو التعبير عن احترام الرموز الدينية، خاصة تلك المتعلقة بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم). وتساعد موجة الاحتجاجات الأخيرة ضد فيلم "براءة المسلمين" الذي عرض على الإنترنت، في باكستان وأماكن أخرى، على إثبات مشاعر العديد من الباكستانيين الذين يرى الكثيرون مثل ذلك التناول مهيناً للدين. كما تشرح هذا الموقف قوانين منع التجديف في باكستان، والتي تضم منع التسبب بالأذى للمواقع الدينية وإهانة المعتقدات الإيمانية. وشهدت باكستان العديد من القضايا التي تتعلق بهذه القوانين، كانت آخرها قضية فتاة مسيحية اسمها "ريمشا مسيح"، اتهِمَت بحرق صفحات من المصحف الشريف، وقد تبين منذ أيام فقط أنها كان بريئة، وذلك بعد التحقيق الذي أجرته الشرطة في القضية. وربما يكون من السهل تجاهل قضية الفتاة كمثال آخر مفعم بالمشاكل في تاريخ قوانين التجديف، لكنها في الواقع شكّلت فرصة لإيضاح كيف أنه يمكن لطرفي النزاع أن يتحركا إلى الأمام. وتنقسم الآراء في باكستان حول قوانين التجديف. فالناشطون في مجال حقوق الإنسان يرون أن هذه القوانين تشجّع جواً من عدم التسامح وتحد من حريات التعبير، ويحذّرون من أنه يمكن إساءة استخدامها من قبل من لهم مصالح خاصة، كما يثيرون تساؤلات حول حقوق الأقليات في دولة يشكل المسلمون نسبة 97 في المئة من سكانها. ويعتقد أفراد الجماعات الدينية المحافِظة أن الكفر لا يمكن التسامح معه، وأنه يجب ألا تسمح الحرية بعدم احترام المعتقدات الدينية، وأن من ينتهك ذلك يجب معاقبته. وقد دافع الحقوقيون عن الفتاة قائلين بأنها ربما تكون مريضة نفسياً، وباحتمال أن تكون صفحات المصحف قد زرعها في حقيبتها إمام محلي (حافظ خالد شيشتي)، والذي يخضع للتحقيق حالياً، وقد نتجت عن ذلك موجة عارمة من التعاطف مع الفتاة. وفي تصريح مثير للدهشة من قادة دينيين في مؤتمر صحفي عقد مؤخراً، طالب محمد طاهر أشرفي، رئيس "مجلس علماء عموم باكستان"، طالب بتكفيل الفتاة. وفي المؤتمر الصحفي، جلس إلى جانب أشرفي ممثلون مسيحيون. وبينما دافع عن قوانين التجديف من حيث المبدأ، فقد أشار إلى الفتاة باعتبارها "ابنة الأمة" وطالب بمحاكمة شيشتي. وقد تحققت مطالبه ومطالب أنصار حقوق الإنسان عندما أُطلق سراح الفتاة يوم 7 سبتمبر. وإذا اتفق كل من الليبراليين والمؤسسة الدينية في مطالبهم من أجل العدالة لـ"مسيح"، فربما توجد أرضية مشتركة قيد التطوير، ولو بخطوات أولى صغيرة. ويحتاج الليبراليون العلمانيون، والذين نادراً ما يعملون مع القادة الدينيين من التيار الرئيس، لخلق تفاهم مشترك حول قوانين التجديف. هذا، ويملك رجال الدين وجهات نظر مختلفة ومتنوعة. وهناك حاجة لإيجاد مساحة يستطيع علماء الدين الجلوس فيها وإثارة أسئلة هامة، وتوفير أجوبة ضرورية، والوصول إلى إجماع مشترك حول قضية التكفير، وقضايا أخرى تقضّ مضجع السلام في باكستان. لا يمكن إنكار الدور الهام للزعماء الدينيين في المجتمع الباكستاني. وإذا بدأت الأصوات الدينية، معها قطاعات أخرى، بتوفير المشورة للإصلاح وكبح جماح التطرف، فإن ذلك سوف يُحدِث فرقاً بالتأكيد. -------- فرهناز زاهدي معظم كاتبة مستقلة وناشطة في مجال السلام ومساواة النوع -------- ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند" الإخبارية