الجماهير التي تجمعت يوم الجمعة 28 سبتمبر لتخليد ذكرى عبدالناصر بعد 42 عاماً من رحيله، أصرت على شيئين: 1- العمل على عودة الناصرية وبقوة، وذلك بتحقيق إندماج أربع أحزاب ناصرية أمام ضريح الزعيم. 2- ترديد الهتافات ضد "الإخوان"، ولم يكن هذا في الواقع إلا نوعاً من "رد الجميل" لجماعة "الإخوان المسلمين" التي يعتقد الكثيرون من أعضائها ومؤيديها أن فترة حكم عبدالناصر كانت من أقسى الفترات ضد الجماعة،وتاريخياً هذا صحيح، فبعد نوع من التعاون والتنسيق المبدئي بين حركة الضباط الأحرار قبل انقلاب 1952 وحتى في بداية حكمه، تراكمت الخلافات والتوترات حتى محاولة اغتيال عبدالناصر في أكتوبر 1954، والتي أدت إلى القبض على معظم زعماء الجماعة والتنكيل بهم طوال السنوات اللاحقة من العهد الناصري، وإعدام زعمائهم من عبدالقادر عودة إلى سيد قطب. وقد استغل السادات كراهية "الإخوان" للحكم الناصري من أجل تدعيم حكمه، فأخرج بعضهم من السجون وشجع آخرين على العودة من المنافي، وذلك لاستخدامهم كقوة سياسية مناوئة للناصريين واليسار عامة، ونجح في ذلك إلى حد كبير في بداية حكمه وحتى منتصف السبعينيات. وفي الواقع، لا تزال الكثير من مذكرات زعماء "الإخوان" تعترف بالفرق الكبير في وضعهم السياسي أثناء حكم السادات وحكم عبدالناصر، لكننا نعرف أيضاً أن التوتر ازداد بعد ذلك بين السادات وجماعات الإسلام السياسي المختلفة حتى انتهى الأمر باغتياله في السادس من أكتوبر 1981 بواسطة بعض أعضاء الجماعات الذين تغلغلوا في الجيش. وعلاقات "الإخوان" المتذبذبة هذه بكل من فترتي حكم عبدالناصر والسادات تشير في الواقع إلى نقطة هامة تتعلق بتناقضات العمل السياسي، وتظهر هذه التناقضات حتى في سلوك جماعات مثل جماعات الإسلام السياسي رغم ما تعلنه من استمرار في احترام مبادئها والجهاد من أجلها! فقد تباعد "الإخوان" والناصريون رغم التقارب في توجهاتهم السياسية المعلنة في المجال الداخلي؛ مثل شعاراتهم حول العدالة الاجتماعية أو المحافظة على الهوية الوطنية في السياسة الخارجية، بينما تحالف "الإخوان" والسادات مع التباعد في توجهاتهم السياسية الأساسية، سواء فيما يتعلق بتبني نظام السادات الليبراليةَ داخلياً، ثم الإعجاب بالنمط الأميركي والغربي عموماً، وأخيراً معاهدة السلام مع إسرائيل... فإلى أين يتجه مرسي؟ شهور مرسي الأولى في رئاسة مصر تُذكر بعض مؤيديه بالناصرية، خاصةً في مجال السياسة الخارجية، حتى مع اختلاف النظام الدولي الحالي عن نظام الخمسينيات والستينيات التي سيطرت عليها الحرب الباردة والاستقطاب بين الكتلة الشرقية والغربية. وبالرغم من قلة الاختبارات عالمياً في الفترة الراهنة، فقد كانت زيارة مرسي الخارجية الأولى إلى الصين، وهي سياسياً واقتصادياً تحاول أن تكون القطب الذي ينافس التحكم الأميركي في النظام العالمي، حيث اصطحب مرسي معه ما يزيد عن 20 من كبار رجال الأعمال، ما يعني أن هدف الزيارة لم يكن عقد تحالفات سياسية بل إبرام صفقات ودراسة ترتيبات اقتصادية، ثم الكلام عن تسهيل الاستثمارات الصينية، وحتى التفكير في تجهيز مصر لتكون ركيزة العمل الاقتصادي الصيني في المنطقة العربية وأفريقيا. وكل ذلك يشير في رأي مؤيدي النظام الحالي إلى محاولة لاستعادة التوازن في العلاقات المصرية الخارجية بدلاً من الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة، والذي بدأ مع السادات وازداد تجذراً مع مبارك. وكانت سفرة مرسي الخارجية الثانية -ولو حتى لبضع ساعات- إلى طهران لحضور قمة دول عدم الانحياز وتسليم مقاليد رئاسة هذه المجموعة لإيران، وبالرغم من أن خطابه كان متسقاً مع أولوية علاقات مصر بدول الخليج، إلا أن ذهابه شخصياً إلى طهران بدلاً من إنابة رئيس وزرائه أو وزير خارجيته عنه، كما فعلت كثير من الدول التي ساهمت في أعمال هذا المؤتمر، أدى إلى تدعيم المؤتمر وجذب الأنظار إلى مكان انعقاده، أي طهران، وبالتالي ساعد إيران في أحد أهدافها السياسية ألا وهو إضعاف محاولات العزل الدولية المفروض عليها. ولا تزال السياسة الخارجية المصرية في مرحلة تحسس الطريق وجس النبض. يختلف النظام الدولي الحالي عما كان عليه الحال في الخمسينيات والستينيات كثيراً، كما أن مرسي يختلف عن عبدالناصر الذي أسس حكمه على الجيش وكان شاباً في منتصف عمر مرسي تقريباً. ومن المعلوم أن هذا الأخير حصل على دكتوراه الهندسة من الولايات المتحدة، وأن اثنين من أبنائه ولدا فيها ويحملان جنسيتها! فهل ستؤدي هذه الاختلافات في السياق الدولي الوطني، وفي شخصية الرئيس، إلى اختلاف سياسة الرجلين، أم أن "أجواء الثورة والتغيير"، والتي مثّلت قاسماً مشتركاً بين المرحلتين، ستؤدي إلى تقارب في سياستهما؟