حملت زيارة البابا بنديكت السادس عشر إلى لبنان، والتي استمرت ثلاثة أيام في سبتمبر الماضي رسالة ذات معنى من الأمل في الأوقات المضطربة. ورغم التوترات الدولية، اتحد اللبنانيون معاً للترحيب به والإعراب عن رغبتهم بالعيش المشترك الناجح. تصادف الحدث مع توترات دولية جديدة بسبب "براءة المسلمين"، وهو فيلم قليل الكلفة عرضه على "اليوتيوب" تم إخراجه في الولايات المتحدة، على يد شخص انخرط حسب تقارير جديدة في أعمال احتيال في الماضي. أثار شريط الفيديو الكثير من المظاهرات المعادية لأميركا حول العالم. بوجود قصص سلبية كهذه تكتسب هذا الاهتمام الكبير، من الأهمية بمكان تركيز الاهتمام على القصص الإيجابية. فرغم التوتّرات، رحبت جميع الطوائف الدينية اللبنانية، ليس المسيحية فحسب وإنما الشيعة والسنة والدروز كذلك، إضافة إلى بعض ممثلي الأحزاب السياسية، بالبابا، مذكّرين العالم أن هذا البلد مبني على مفهوم التنوع والاحتفال بجميع الديانات. يسكن الحي القريب من المطار، حيث حطت طائرة البابا، غالبية من الشيعة. وقد اصطفّت النساء الشيعيات على طول الطريق لتحيته لدى وصوله إلى لبنان. وفي اليوم الثاني غطت الصورة تلك عناوين الأخبار. الصورة ملفتة للنظر ومدهشة من نواحٍ عديدة، ولكنها أيضاً تشكّل وضعاً طبيعياً للعيش المشترك اليومي في لبنان. أكّد العديد من اللبنانيين أحياناً على أن العيش المشترك للديانات هو السبيل الوحيد إلى الأمام، ولدرجة أن هذه العبارة ربما تبدو كثيرة الاستعمال عفا عليها الزمن. إلا أنها صحيحة كذلك، وهو أمر يعرفه اللبنانيون. كان واقع العيش المشترك ظاهراً بشكل واضح في الزيارة البابوية. وقد عبّر البابا بشكل متكرر عن أمله بأن يعمّ السلام في سوريا والشرق الأوسط بشكل عام، وحث المسيحيين والمسلمين على حد سواء على العمل من أجل التناغم والعيش المشترك. حيا البابا بنديكت السادس عشر وجود المسلمين في الجمهور، في كل من التجمع الشبابي يوم 15سبتمبر، وكذلك في قداس الأحد في الهواء الطلق في اليوم الثاني، حيث قال المنظّمون إن ما يزيد على 350,000 حضروه. يتذكّر العديد من اللبنانيين كلمات البابا السابق يوحنا بولس الثاني أثناء زيارته إلى لبنان عام 1997: "لبنان أكثر من دولة. إنه رسالة،" مشيراً إلى حقيقة أن الدولة تضم العديد من الطوائف الدينية المختلفة تعيش معاً جنباً إلى جنب. اليوم وأكثر من أي وقت مضى، يتوجّب سماع الرسالة التي هي لبنان. يتخذ ذلك أهمية ملحّة إذا أخذنا بالاعتبار أخبار بعض المحتجّين اللبنانيين الذين أشعلوا النار بسلسلة من المطاعم الأميركية في مدينة طرابلس الشمالية يوم 14 سبتمبر احتجاجاً على فيلم "براءة المسلمين". أثار الاضطراب وسوء المعلومات حول الفيلم ردود فعل غير متكافئة عبر العالم العربي ضد أناس أبرياء عبر العالم الإسلامي غير مسؤولين عن الفيلم المسيء للإسلام والمسلمين. إلا أنه رغم معوقات كهذه، هناك أمل في لبنان. ربما يكون لبنان واقعاً في صراع إقليمي ودولي على السلطة، ولكن هناك أسبابا لئن يكون المرء متفائلاً بالمستقبل. يعلم معظم اللبنانيين أن بلدهم لن ينجح إلا إذا اعترفوا بديانة بعضهم واحترموها واحتفلوا بها. شكّلت زيارة البابا بنديكت أكثر من مجرد رسالة أمل وسلام، فهي نقطة لتفحص الواقع وتذكيراً هاماً بأن هذه أولاً وقبل كل شيء الأرض التي تجمع الديانات معاً. إنها وطن المسيحيين والمسلمين على حد سواء. عندما يستطيع شريط فيديو مغمور بالتسبب بهذه الورطة فإن هذه الأمور لها أهميتها. ندى عقل صحفية لبنانية ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند" الإخبارية