التاريخ سجل في حقبته الأخيرة تطورات خطرة في نفسية المسلمين عبر العالم، لكن هذا السجل خط بقلمه الأحمر علامات لا بد من الانتباه إليها، وأستطيع تلخيص رسالة التاريخ لنا بعبارة عاصفة العاطفة، اسمحو لي أن أنشط ذاكرتكم القريبة بما جرى بعد عرض مقاطع من فيلم "براءة المسلمين" The Innocence of Muslims. المظاهرات عمت الكثير من دول العالم العربي والإسلامي، تم استثمارها من بعض جماعات الهدم الإسلامي للتخريب والتدمير وقتل الأبرياء من المسلمين وغيرهم. لا أعرف جواباً لسؤال: لِمَ قتل العشرات من المسلمين في تلك المظاهرات أو لمصلحة من قتل السفير الأميركي في ليبيا؟ ولِمَ انتشر الحرق والتدمير خلال تلك المظاهرات؟ إنها عاصفة العاطفة التي تدمر كل شيء أمامها دون تمييز أو تفكير عقلاني. الفيلم أثار عضبنا جميعاً كمسلين. كيف لا وقد تعرض للشخصية التي أنقذتنا بإذن الله من الظلمات إلى النور محمد فداه أبي وأمي، الرسول الذي جاء بالسلام في عهد الحروب وبالتسامح عند القوة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". نبي عاش المسالمون من اليهود والنصارى جيراناً له يأكل طعامهم ويتعايش معهم ، وفي الحضارة التي ورثها لقومه كانت الديانات السماوية تعيش في الحضارة الإسلامية أزهى عصورها، أوليس هو من رتل على قومه قوله تعالى " لا إكراه في الدين" فكيف تشوه كل الصورة بمداد الكراهية، هذا الحقد لم يستنكره أهل الإسلام فقط، بل إن الكثير من عقلاء العالم وزعماء الرأي في الحضارات المختلفة أنكره بأقسى عبارات الشجب، وليس هنا مجال لحصرها، لكن اقتبس منها كلمة الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي القس "أولاف فيكس تفايت"، الذي قال إن هذا الفيلم "إهانة للبّ عقيدة المسلمين ولجميع الشعوب المؤمنة"، وأكد على "أهمية تضامن المسيحيّين والمسلمين للوقوف معاً في إدانة هذه الإساءات". لو أضفنا على ذلك تصريحات أوباما وغيره من زعماء العالم لرأينا كيف انقلب السحر على الساحر وأمنا فعلاً بقوله تعالى "إنا كفيناك المستهزئين"، ولرأينا معاني كبيرة في قوله سبحانه وتعالى "وأعرض عن الجاهلين ". من أراد تشويه صورة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام أعطانا فرصة ذهبية لبيان الإسلام لمن هو جاهل وفرصة ذهبية لتغيير صورة إسلام التطرف في عقول من لا يفهم من الإسلام أكثر مما يراه عبر وسائل الإعلام. كل ذلك كان بالإمكان استثماره لو أن المسلمين قللوا من أثر العاطفة وأناروها بضياء العلم والعقل. في الدول التي تسمح قوانينها بالتظاهر يفهم الغرب خروج الملايين للتعبير عن رأيهم بشرط أن تكون مسيرات يحكمها العقل لا العاطفة، التعبير لا التخريب. كان بودي أن تكون مظاهرات المسلمين بهذا المستوى من الرقي، لا أن نضيف لصورة المسلمين المشوهة مزيداً من الهمجية ولغة العنف غير العقلانية، لكن مثل هذه المظاهرات لا تغير في قانون العالم شيئاً يُذكر. دعونا نتعلم من اليهود كيف استطاعوا سن قوانين دولية تجرم كل من يعتدي على ما يعرف بالسامية، لقد استثمروا العقل والعلاقات الدولية للحصول على هذه القوانين الدولية، لم لا يتداعى كل من يؤمن برسالة محمد عليه الصلاة والسلام للعمل على سن قانون تؤيده كل الديانات السماوية يحظر ذلك القانون التعرض للأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى للعالم، إنْ نجحنا في ذلك تكون عاطفتنا قد أنارتها عقولنا، وإلا فإنها عاطفة عاصفة تهدأ بعد زوال مثيرها.