الأميركيون العرب يمثلون جالية مهمة في الولايات المتحدة. فهم مندمجون بشكل جيد في كافة مجالات الحياة الأميركية، ويعملون كأساتذة جامعات، وأطباء، وصناع سيارات، وكمسعفين، ورجال إطفاء، وغير ذلك من المهن. وفي المجتمعات المحلية في مختلف أنحاء البلاد تعتبر الجالية التجارية العربية مفتاحاً رئيسياً للازدهار. والأميركيون العرب إلى جانب ذلك يعملون كجسور تواصل مع بلادهم الأصلية، حيث يقومون بتقديم رؤى معمقة سياسية وتجارية بشأن التطورات التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعلى رغم ذلك، كان الأميركيون العرب يوصفون بأنهم "الحلقة الضعيفة في سلسلة الحريات المدنية الأميركية" لأن حقوق الجالية كانت تتعرض للخطر في بعض الأحيان بسبب أي قانون غير دستوري مجحف، أوممارسات إنفاذه. وفي أي سنة انتخابية، وفي عدة مناطق في البلاد، تعتبر أصوات الأميركيين العرب مهمة أيضاً. وهذا أمر معروف جيداً في ميتشجان، حيث تمثل الجالية قاعدة انتخابية مهمة. وقد ترسخت مكانة العرب الأميركيين مؤخراً في المنطقة الشمالية من ولاية نيوجيرسي التي لعبوا فيها دوراً مهماً في مساعدة صديقهم القديم عضو الكونجرس "بيل باسكريل" في المنافسة التمهيدية الصعبة التي خاضها هناك. كما يعمل الساسة على خطب ود الجالية في المناطق المهمة في أوهايو، وبنسلفانيا، وفرجينيا، وإيلينوي، وفلوريدا. وبالإضافة إلى ذلك ينمو حجم الأميركيين العرب بوتيرة سريعة حيث تبين إحصائيات الهجرة أن ما يقرب من 500 ألف عربي قد قبلوا كمهاجرين شرعيين خلال العقد الأخير، وأن هذا العدد يقدر بـ900 ألف خلال العشرين عاماً الأخيرة. وطيلة عقد الثمانينيات، وعندما بدأنا في قياس مواقف الناخبين من الأميركيين العرب، اتضح لنا أن الجالية مقسمة بالتساوي تقريباً بين هؤلاء الذين عرفوا أنفسهم على أنهم ديمقراطيون وأولئك الذين عرفوا أنفسهم على أنهم جمهوريون. ولكن ذلك الوضع بدأ في التغير مع فترتي ولاية بوش الابن، ثم وصل ذلك التغير إلى ذروته بتصويت ساحق للأميركيين العرب لصالح المرشح الديمقراطي أوباما. وقد أظهرت استطلاعات الرأي الأولى التي أجريناها خلال العام الحالي أن الأميركيين العرب ما زالوا حتى الآن يفضلون باراك أوباما، ولكن بمستوى من التأييد يقل قليلاً عن ذلك الذي كان قائماً منذ أربع سنوات. وفيما يلي بعض النتائج التي توصل إليها استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة "جزأناليتك" في منتصف سبتمبر الحالي بتكليف من المعهد العربي الأميركي. وقد شمل الاستطلاع 404 ناخبين على مستوى الولايات المتحدة، وكانت نسبة الخطأ المحددة فيه هي خمسة في المئة بالزيادة أو النقصان، وقد أظهر أن: أوباما يتقدم على رومني بنسبة 52 في المئة إلى 28 في المئة مع وجود نسبة 5 في المئة من العرب الأميركيين يدعمون مرشحي أحزاب أصغر و16 في المئة لم يحسموا أمرهم بعد. وهذا التقدم لأوباما وإن كان يمثل مظهراً صحياً، إلا أنه يثبت أنه ما زال أمام الرئيس طريق طويل يتعين عليه أن يقطعه حتى يتمكن من الوصول بهذا الفارق 67 في المئة إلى 28 في المئة، وهو الفارق الذي كان يتقدم به على جون ماكين في انتخابات 2008 في أوساط الأميركيين العرب. والفارق البالغ 15 نقطة بين نسبة تأييد الأميركيين العرب لأوباما عام 2008، ونسبة تأييدهم عام 2012 يمكن أن يكون مهماً في الحالات التي تكون فيها المنافسة محتدمة. والاقتصاد هو العامل الأكثر أهمية بما لا يقاس بالنسبة لثمانية من بين كل عشرة أميركيين عرب، وتليه السياسة الخارجية، والرعاية الصحية. وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عن المرشح الذي يتوقعون أن أداءه سيكون أفضل بشأن طائفة من مشكلات السياستين الداخلية والخارجية (بما في ذلك الاقتصاد، والرعاية الصحية، والضرائب، والحريات المدنية، وحل الصراع العربي الإسرائيلي، والتواصل مع العالمين العربي والإسلامي) تبين أن أوباما يتفوق على رومني في كل مجال من هذه المجالات تقريباً على رغم أنه من الجدير بالذكر في هذا السياق أن الرئيس قد حصل على أقل التقديرات في طريقة تعامله مع ملف الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وكان هناك انخفاض واضح في نسبة الأميركيين العرب المؤيدين للحزب الجمهوري. فعلى رغم أن أعضاء الجالية كانوا مقسمين بالتساوي تقريباً بين الحزبين الرئيسيين عام 2000 إلا أن تلك النسبة تغيرت خلال انتخابات 2008 وانتخابات التجديد النصفي عام 2010 بحيث بات ثلثا الأميركيين العرب يؤيدون الحزب الديمقراطي والثلث فقط يؤيدون الحزب الجمهوري. وقد ألقى الاستطلاع أيضاً الضوء على بعض الهموم الشخصية للأميركيين العرب حيث قال 40 في المئة منهم إنهم قد تعرضوا لشكل من أشكال التمييز بينهم منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2012. ولكن ذلك القلق من التمييز ضدهم لم يكن سبباً في إنكار هويتهم حيث يقول 6 من كل 10 منهم إنهم يعرفون أنفسهم كأميركيين عرب ويقول 8 من بين كل 10 منهم إنهم فخورون بإرثهم العرقي. ويبدو الأميركيون العرب كذلك أكثر شعوراً بالأمان من الناحية الاقتصادية وأكثر ثقة بالمستقبل مقارنة بالأميركيين الآخرين. فهناك ما يزيد عن 6 من بين كل 10 أميركيين العرب يقولون إنهم يشعرون بالأمان في وظائفهم كما يعبر نصفهم تقريباً عن ثقتهم بأن مستقبل أبنائهم سيكون أفضل. وقصارى القول إنه على رغم أن الجالية الأميركية العربية لا تمثل جالية عملاقة إلا أنها من دون أدنى شك جالية جديرة بالاهتمام، وخصوصاً في الانتخابات التي تكون فيها المنافسة محتدمة والفارق بين المرشحين ضئيلاً.