كان رئيس الوزراء الهندي مانموهان سنج خلال الأشهر السبعة الماضية هدفاً للانتقادات بسبب تقاعسه عن القيام بشيء ما إزاء تباطؤ اقتصاد البلاد وارتفاع التضخم إلى رقمين وتراجع قيمة العملة الهندية. وقد كانت الانتقادات قوية ضد "سنج" بشكل خاص لأنه بنى سمعته كإصلاحي ومعروف باعتباره الرجل الذي يقف وراء جهود تحرير الاقتصاد الهندي التي جلبت للبلاد منافع وفوائد شتى. وفي الغرب أيضاً، لم يسلم الرجل الذي كان معروفاً بالإصلاحي من الانتقادات لأنه لم يقم بشيء إزاء الحالة التي أضحى عليها الاقتصاد الهندي. غير أنه في الأسبوع الماضي، قام "سنج" بإدخال جملة من الإصلاحات التاريخية، من السماح بدخول سلاسل المتاجر الأجنبية إلى قطاع البيع بالتجزئة الهندي المغلق إلى الاستثمار الأجنبي في قطاع الطيران المدني. ومن الواضح أن الهدف من ذلك كان هو رغبته في ألا يذكره التاريخ باعتباره رئيس الوزراء الذي لم يقم بشيء في سبيل إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية. ولكن الإصلاحات شكلت مفاجأة، لأنها ظلت معلقة لأشهر بسبب معارضة وعرقلة حزب "تيرينا مول"، الذي تقوده كبيرة وزراء ولاية بنجال الغربية السيدة "مامتا بينارجي"، التي تعتبر حليفاً رئيسياً للائتلاف الحكومي بقيادة حزب "المؤتمر". بيد أن جهود "سنج الكبيرة للإصلاح، وإنْ لاقت إشادة الشركات الكبرى والمستثمرين الأجانب، فإنها أدت إلى زعزعة استقرار شركاء الائتلاف الحاكم الذي يقوده حزب "المؤتمر، فهذا الأسبوع، أعلنت "مامتا بينارجي" اعتزامها الانسحاب من الائتلاف الحاكم بسبب قرار الحكومة القاضي بالسماح بدخول سلاسل المتاجر الكبرى الأجنبية مثل "وول مارت"، والزيادة في أسعار الديزل. وكان من نتائج ذلك أن وجدت الحكومة نفسها في أزمة سياسية. وعلى الرغم من أن الحكومة لا تواجه خطر الانهيار، لأنها تحظى بدعم أحزاب إقليمية أخرى من خارج الائتلاف، فإن انسحاب حزب "تيرينا مول" جعل الائتلاف الحاكم الذي يقوده حزب "المؤتمر" هشاً وضعيفاً على الصعيد السياسي. كما أدت هذه الخطوة أيضاً إلى تراجع الحكومة إلى وضع أقلية على اعتبار أنها تفتقر إلى 18 برلمانياً حتى تشكل أغلبية. والأكيد أن قرار حزب "تيرينا مول" بالانسحاب من التحالف يزيد من الضغط على "مانموهان سنج" حتى يتراجع عن قراره بشأن السماح بدخول سلاسل متاجر البيع بالتجزئة الأجنبية والزيادة في أسعار الديزل، ويضع علامة استفهام كذلك حول ما إذا كانت الحكومة الحالية تستطيع إدخال مزيد من الإصلاحات. فهذا الأسبوع، خرجت أحزاب مثل "بهاراتيا جاناتا" وبعض التجار الصغار إلى الشوارع من أجل مطالبة الحكومة بالعدول عن قرارها. وقد تعالت الأصوات المعارضة لأن أحزاب المعارضة تجادل بأن السماح بدخول متاجر البيع بالتجزئة الأجنبية سيرغم مئات الآلاف من التجار الصغار على إغلاق متاجرهم لأنهم لن يكونوا قادرين على التنافس مع المتاجر الأجنبية الأكبر. غير أن "مولايام سنج"، زعيم حزب "سماج وادي"، الذي فاز مؤخراً بالانتخابات في أكبر ولاية هندية "أوتار براديش"، هب لإنقاذ الائتلاف الحكومي بقيادة حزب "المؤتمر"، حيث أعلن أنه لن يسمح بسقوط حكومة "مانموهان سنج"، وهكذا، فإن حزبه، الذي لديه 22 برلمانياً، من المنتظر أن يصوت لصالح الائتلاف الذي يقوده حزب "المؤتمر" في حال أصرت أحزاب المعارضة على إجراء تصويت بسحب الثقة ضد حكومة "سنج" في البرلمان الهندي. وفي هذه الأثناء، ترفض حكومة حزب "المؤتمر" سحب أجندتها الإصلاحية مشيرة إلى أن رئيس الوزراء "سنج" متشبث بقوة بقراره القاضي بإدخال إصلاحات. والجدير بالذكر هنا أن الإصلاحات، التي شملت أيضاً زيادة في أسعار الديزل وتحديد سقف لعدد أسطوانات الغاز المدعومة من الدولة التي يحق لكل عائلة الاستفادة منها، تهدف إلى تقليص العجز المالي للحكومة وجذب استثمارات أجنبية أكثر إلى البلاد. ويمكن القول إن حزب "المؤتمر" استطاع، في الوقت الراهن، اجتياز هذه العاصفة السياسية بنجاح وبدون خسائر. والواقع أن الرسالة التي يبعث بها الحزب واضحة لا لبس فيها ومؤداها أنه من هنا فصاعداً لن يسمح لأي من حلفائه بأن يعرقل جهوده الرامية للإصلاح. غير أن قرار حزب "المؤتمر" بالتمسك بالإصلاحات له علاقة أيضاً بالانتخابات العامة المقررة في 2014. ذلك أنه بالنظر إلى أن معظم الفترة التي قضاها الحزب في السلطة كانت عقيمة، فمن الواضح أنه يراهن على أجندة الإصلاحات التي قد تخرجه من الأزمة، ولاسيما أنه مطالب في نهاية المطاف بأن يذهب إلى الشعب وفي رصيده بعض الإنجازات التي حققها خلال فترة حكمه، والحال أن الحكومة الحالية لم تحقق شيئاً ذا بال. وعلاوة على ذلك، فإن حالة عدم الاستقرار السياسي الحالية أدت أيضاً إلى إذكاء الأحاديث حول إمكانية إجراء انتخابات مبكرة، بدلاً من موعدها الطبيعي في 2014. غير أن الواقع هو أن قلة قليلة جداً من الأحزاب السياسية ترغب في انتخابات مبكرة في الحقيقة، بل إن حتى حزب المعارضة الرئيسي بهارتيا جاناتا –الذي يشهد حالياً صراعاً على الزعامة– ليس مستعداً للانتخابات، وذلك على غرار الأحزاب الإقليمية مثل حزب "سماج وادي"، إلا أنه مازال من غير المعروف ما إن كانت الحكومة الحالية ستخرج سالمة، وما إن كان "مانموهان سنج" سيستطيع المضي قدماً في تنفيذ أجندته الإصلاحية والتمسك بلقب الإصلاحي الذي يواجه خطر فقدانه. د.ذِكْرُ الرجمن