ليس هناك شك أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستعقد في نوفمبر المقبل، ستؤثر على العالم بأسره وليس على الولايات المتحدة فقط. على الرغم من ذلك، فإنه وحتى ما قبل الهجوم الذي وقع على قنصليتنا في ليبيا،كان موضوعا السياسة الخارجية، والعولمة بعيدين تقريباً عن الخطاب السياسي الأميركي. كان هناك كلام في المؤتمر العام للحزبين الرئيسيين عن الاستثنائية الأميركية، ومكانة الولايات المتحدة والمتميزة في العالم، ولكن لم يقال سوى القليل في ذينك المؤتمرين عن الحاجة للعمل المشترك مع الدول الأخرى من أجل حماية كوكبنا المشترك المعرض لأخطار داهمة. وحتى الرئيس السابق بيل كلينتون، الذي كان متوقعاً منه التطرق إلى الشأن الخارجي، ركز في الخطاب الذي ألقاه في مؤتمر الحزب "الديمقراطي" العام في شارلوت- نورث كارولينا على الأجندة الداخلية، ولم يتطرق تقريباً لأي قضية خارجية من القضايا العديدة التي تهم الولايات المتحدة في الوقت الراهن. الملاحظ أنه في عصر الكوزموبوليتانية غير المسبوقة، والاعتماد المتبادل، بات خطابنا العام أكثر ميلاً نحو ضيق الأفق، والاتجاه للداخل، والانغلاق على الذات. دار معظم الحديث في المؤتمرين المذكورين عن الوظائف الأميركية، وعن حقوق الإنسان الأميركية، ونظام الرعاية الصحية الأميركي، ولم يتطرق إلى شيء غير ذلك. صحيح أن كل تلك الموضوعات ذات أهمية كبيرة إلا أننا بحاجة إلى التفكير فيها من منظور دولي. صحيح أننا مواطنون أميركيون، ولكننا أيضاً، وفي الوقت نفسه، مواطنون عالميون ويجب أن نفكر باعتبارنا كذلك، لأن الموضوعات والقضايا المعقدة التي تواجهنا في عالم اليوم، لا تعترف بالحدود القائمة بين الدول. للتدليل على ما لقيته الموضوعات ذات المنظور العالمي من تجاهل، دعونا نأخذ موضوعاً مهماً مثل التغير المناخي. فباستثناء العبارات القليلة التي تناول بها المرشح "الجمهوري" مت رومني هذا الموضوع، والتي اصطبغت بنبرة ساخرة عند حديثه عن ارتفاع مستوى البحر خصوصاً، فإن النقاش العام في أميركا لم يكد يتطرق إلى هذا الموضوع ذي الأهمية البالغة، والذي يحمل في طياته مخاطر جمة للبشرية بأسرها. في الوقت نفسه، وجدنا الحزبين الرئيسيين يركزان في نطاق حملتيهما الانتخابيتين على موضوع مثل" تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة"، وهو موضوع رغم أهميته، إلا أنه غير قابل للتحقيق في هذا العهد. فالسوق النفطي عالمي في طبيعته حقاً، ومن ثم ليس بمقدور دولة واحدة التحكم تماماً في الأسعار التي تتراوح هبوطاً وارتفاعاً حسب اختلاف مستويات العرض والطلب. والأسواق المحلية البحتة شيء، يمكن أن يُقال ببساطة شديدة، إنه لم يعد موجوداً الآن سواء في مجال الصلب، أو في مجال النفط، أو حتى في مجال العمل، علاوة على أن مشكلة الهجرة التي نعاني منها، هي مجرد عرض من أعراض الاختلال في سوق العمل العالمي، وبالتالي فإنها لا تقع تحت سيطرتنا بالكامل. ونحن كذلك نعيش في عصر" الاعتماد المتبادل"، ومن هنا فإن التحديات التي نواجهها سواء في مجال التغير المناخي، أو في مجال الهجرة، أو في مجال الأوبئة، أو تجارة المخدرات، أو الإرهاب، أو الاستقرار المالي؛ لا يمكن معالجتها إلا من خلال التعاون العالمي. والقرن الجديد لن يكون قرناً أميركاً فحسب، ولا قرناً صينياً فحسب، وإنما سيكون قرناً عالمياً في المقام الأول... قرن ينتمي لنا جميعاً، ومن هنا فإننا جميعاً يجب أن نقرر منذ الآن كيف سنقوم بصياغته وتشكيله. هذه هي الواقعية وليست المثالية. ولكن المشكلة أنه من الصعب على السياسيين أن يتحدثوا بواقعية عن الاعتماد المتبادل، عندما يجدون أن مواطنيهم يعاقبونهم على ذلك، ويطلقون عليهم أوصافاً من شاكلة "أوروبي" أو"اشتراكي" أو"غير أميركي". في العام الأول له في البيت الأبيض، ألقى أوباما خطابين في القاهرة واستنبول، حث فيهما على التعاون العالمي واستخدم بالفعل لفظ "الاعتماد المتبادل". ولكنه منذ ذلك الحين، تعلم كما يبدو، كيف يتجنب الحديث عن الكوزموبوليتانية في خطبه، أو كيف يدخلها في سياساته وتوجهاته، لأنه اعتقد ربما أن التفكير على نحو عولمي قد يكون سياسة حصيفة حقاً، إلا أنه من ناحية أخرى"سم سياسي". والمؤتمرات الحزبية لن تتناول الموضوعات العالمية، إلا إذا كان السياسيون الذين يلقون الخطب في تلك المؤتمرات راغبين حقاً في تحقيق ذلك. إن السياسيين لا يتحدثون على نحو كوزموبوليتاني، إلا إذا صفق لهم المواطنون لواقعيتهم السياسية. ولكن المشكلة هي أن المواطنين لن يكونوا جاهزين لعبور الحدود الوطنية التقليدية التي عرّفت أفقهم الفكري الضيق، إلا إذا ساعدتهم وسائل الإعلام ذات المحتوى المعلوماتي، على استيعاب معنى الاعتماد المتبادل ...ذلك الاعتماد الذي يقوم على بناء الجسور، وليس على تعلية الأسوار، ووضع الحواجز ...الذي يقوم على التعاون، وليس على الحدود الفاصلة، ويقوم على ما هو مشترك، وليس على ما هو استثنائي. باعتبارنا أما ذات سيادة، نتمتع بتاريخ يتجاوز 200 عام من الاستقلال. ولكننا اليوم، وفي عالم من دون حدود، نجد أنفسنا في مواجهة تحديات من دون حدود كذلك. والأميركيون في حاجة الآن وأكثر من أي وقت مضى، لتعلم كيف يكونوا مواطنين من دون حدود كذلك. ـــــــــــــــ بنيامين باربر باحث في معهد الخريجين لجامعة سيتي- نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي.تي إنترناشيونال"