مأساة اغتيال سفير الولايات المتحدة الأميركية لدى ليبيا ومن معه من الدبلوماسيين، تثير في النفس البشرية المتحضرة التقزز والاشمئزاز، لأن أرواحاً بشرية أزهقت دون وجه حق، ومن قتلوهم يسوقون تبريرات هي أعذار أقبح من الذنوب التي اقترفوها. فجريمة مقتل بشر أبرياء أمر مرفوض جملة وتفصيلاً. نحن نتساءل: ما ذنب أولئك الأبرياء الذين قتلوا؟ وما علاقتهم بجريمة ارتكبها معتوهون عديمو الضمائر ومفسدون في الأرض، قاموا بإنتاج عمل سينمائي تافه ليس له علاقة بالإسلام أو بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم. فالفيلم هو مجموعة من التصورات الخرافية قامت بتنشيطها مجموعة من الخبل الذين يبدون أنه لا دين لهم ولا ملة ويريدون الإساءة للبشرية بطريقة تافهة وبخسة الثمن. إن الإنسان السوي العاقل على يقين بأنه لا توجد علاقة بين قتل مجموعة من الدبلوماسيين الأبرياء وإنتاج وتوزيع ونشر ذلك العمل التافه. القتل باسم الدفاع عن الإسلام في هذا العصر لن يحل المشكلة، ومسلسل الإساءة إلى الإسلام والمسلمين لن يتوقف في زمن تنقل فيه المعلومات بوتيرة أسرع من البرق، وأصبح فضاء الاتصال بين البشر مفتوحاً على مصراعيه، فبالأمس رواية سلمان رشدي "آيات شيطانية"، وبعدها الرسوم الدانماركية وغيرها من أعمال وكتابات ربما لم تصل إلى العرب والمسلمين لأنها تافهة ولم يلتفت إليها أحد. واليوم هذا الفيلم الذي لا يساوي ثمن المواد التي صُوِّر عليها، والحبل على الجرار، والعملية لن تتوقف طالما أن هناك من يحقق الأرباح والفوائد الطائلة من وراء تلك الأعمال، سواء كانت مالية أو إعلامية أو سياسية أو معنوية أو غيرها. المهم هو أن تلك الأعمال استدرجت المسلمين عامة إلى أفعال زادت في الإساءة إلى أنفسهم، وراكمت إساءة فوق الإساءات التي تسببت فيها تلك الأعمال ذاتها، التي خرجت وجرت أرجلهم إلى العنف والتدمير غير المبرر، ونشرت دعاية إعلامية بأثمان بخسة ضد العرب والمسلمين، خطط لها أعداؤهم بذكاء، وشربوا هم الكأس حتى كعبه، لكي يخدموا أعداءهم دونما وعي أو تفكير، فكانت ردود الأفعال مدعاة لعنف لا فائدة ترجى من ورائه وتضر أكثر مما تفيد. إن تاريخ تراجيديا العنف الذي مورس رداً على ما خرج من إساءات ضد الإسلام والعرب والمسلمين، لا يؤثر فقط على نظرة العالم إليهم كشعوب شديدة الانفعال، وميالة إلى العنف المفرط في مواقف لا تتطلب مثل ذلك قط، بل وإلى طبيعة فهمهم لناموس هذه الدنيا خارج نطاق الانفعال قيد اللحظة، وممارسة ردود أفعال آنية عادة ما يتم الندم على الإقدام عليها، لكن بعد فوات الأوان. وهنا نتساءل حول ما الذي يمكن أن يكون أكثر أهمية في طريقة تفكيرنا حول أمور هذه الحياة في أن نكون انفعاليين فقط؟ وهل الأفعال وردود الأفعال تلك ستجعل منا ذوي مواقف وأوضاع وسمعة أفضل أم أسوأ بعد أن نقوم بها؟ وفي اعتقادي أن الصبر واستخدام العقل هو الفيصل في مثل هذه الأمور، لكن يبدو أن ذلك هو آخر ما يتبادر إلى الأذهان لدى العرب والمسلمين، ويبدو أيضاً أن هذه المشكلة أضحت سرمدية، والدليل على ذلك هو أن معظم ما قمنا به ومارسناه في مراحل ما بعد العصور الوسطى كان كارثياً علينا وأوصلنا إلى ما نحن فيه.